بقلم : د. وحيد عبدالمجيد
ليس مفهوماً لماذا، وكيف، سُجل فيلم «مرادفات» باسم إسرائيل فى مهرجان برلين السينمائى الدولى، الذى فاز بجائزته الأولى الدب الذهبى الثلاثاء الماضى؟ هل يكفى أن يكون مخرج الفيلم إسرائيلياً، رغم أن معظم تمويله جاء من شركتين فرنسيتين يملك إحداهما منتج تونسى الأصل هو سعيد بن سعيد؟
كان العنوان الأساسى لمعظم التغطيات الإعلامية لجوائز مهرجان برلين أن فيلماً إسرائيلياً حصل على جائزة الدب الذهبى، بما فى ذلك وسائل الإعلام العربية. وهذا عنوان يخفى أهم ما يميز الفيلم, وهو أنه أحد أكثر الأفلام نقداً لجوهر وجود إسرائيل, وليس لممارسات حكوماتها فقط، فى تاريخ السينما.
المخرج الإسرائيلى ناداف لابيد، شخصياً، قال لدى تسلمه الجائزة إن هذا الفيلم يمكن أن يُعتبر فضيحة فى إسرائيل. ربما لم يحسن التعبير. الفيلم يفضح إسرائيل. وهذا أهم من أن يعتبره إسرائيليون - لا ينظرون فى المرآة - فضيحة، من زاوية أن واحداً يفترض أنه منهم امتلك الشجاعة لتوجيه هذا النقد اللاذع، والعميق فى آن معاً، لعدوانية الكيان الذى مازال مصدراً للاضطراب والتوتر فى المنطقة. يروى الفيلم قصة يُعتقد أنها سيرة جزئية لمخرجه. يواف بطل الفيلم يخرج من إسرائيل رافضاً وكارهاً، وغير قادر على العيش فيها، رغم أنه لا يكشف عن الأسباب التى أوصلته إلى هذه الحالة، ويترك ـ فيما يبدو ـ لكل شاهد أن يستنتجها.
الجانب العام فى الفيلم يتعلق بقضية الهجرة، ويقدم تجربة فريدة لمهاجر يسعى لأن ينسى بلده الذى لا يشبهه فى شىء، وأن يفك أى ارتباط يربطه به، ولا يطيق أن يتحدث بلغته، فيبذل أقصى جهده لتعلم الفرنسية. ومن هنا جاء عنوان الفيلم «مرادفات»، الذى يشير إلى سعيه لتعلم الكلمات الفرنسية المرادفة للعبرية.
يبحث يواف عن ملاذ نهائى فى فرنسا، فينغمس فى حياته الجديدة بكل جوارحه. ورغم أنه لا يجد فيها ما كان يتصوره، لا يجد مناصاً من التكيف لأنه لا يطيق فكرة العودة إلى إسرائيل.
ولذا لا يمكن أن نعتبر «مرادفات» فيلماً إسرائيليا إلا إذا تغاضينا عن هذا كله, وأغفلنا أنه فيلم إنسانى عالمى فى المقام الأول، والأخير.