د. وحيد عبدالمجيد
لا تملك السلطة الفلسطينية المقومات التى تمكنها من اتخاذ أى موقف قوى فى مواجهة الانتهاكات الإسرائيلية التى أصبحت شبه يومية. ولذلك فهى تفتقد شجاعة الالتزام بأى موقف تتخذه رداً على أحد الانتهاكات الأكثر جسامة. فلا مجال للحديث عن شجاعة فى غياب الحد الأنى من مقومات القدرة على المقاومة.
ولذلك لم يكن غريباً أن تتراجع هذه السلطة عن الطلب الذى قدمه اتحاد كرة القدم التابع لها بتجميد مشاركة إسرائيل فى مسابقات الاتحاد الدولى زالفيفاس, رغم أنه كانت هناك فرصة حقيقية لمعاقبتها مرة واحدة على بلطجتها المتواصلة التى جعلت القانون الدولى حبراً على ورق.
كان توجه اتحاد الكرة الفلسطيني إلى «الفيفا» طالباً معاقبة إسرائيل بسبب العوائق المستمرة التى تضعها أمام تنقل الرياضيين فى الضفة الغربية، مثلما تفعل مع غيرهم، موجعاً للكيان الغاضب الذى وضع نفسه فوق العالم. ورغم أن كرة القدم متهافتة فى هذا الكيان الذى لم يُعرف عنه أى إنجاز فى هذا المجال، فقد كانت هذه لحظة نادرة اهتز فيها عندما اعتقد أن الأمر جد وأن فى سلطة الضفة الغربية من يستطيع أن يقول «لا» لاخر احتلال باق من عصر الاستعمار البغيض. غير أن السلطة التى لا دور لها غير منع مقاومة هذا الاحتلال ارتعدت فرائصها مما يمكن أن يفعله الاحتلال بقادتها فى حالة اتخاذ «الفيفا» قراراً بتجميد مشاركتها. ولذلك أحبطت محاولة جديدة لمقاومة مشروعة يمكن أن يساندها القسم الأكبر من المجتمع الدولى إذا وجد أن «أصحاب القضية» مستعدون لها. وهكذا أنقذت السلطة الغربية إسرائيل مرة أخرى، وواصلت أداء وظيفتها الأساسية التى حذر منها معارضو اتفاق أوسلو الذى أجهز على ما كان قد بقى من قضية فلسطين.. ولكن إلى حين. ولم يكن هذا رأى كتَّاب وخبراء مؤمنين بهذه القضية، بل رأى دبلوماسيين عرب نصحوا قيادة منظمة التحرير بإعادة التفاوض على مشروع الاتفاق قبل توقيعه فى سبتمبر 1993.
وكان بينهم دبلوماسى مصرى قدير صاحب خبرة عميقة فى التفاوض مع الإسرائيليين منذ عام 1978. فقد أذهله مشروع الاتفاق، ونبَّه القادة الفلسطينيين الذين تبنوه إلى أخطاره الفادحة. وكان أهم ما قاله لهم إن السلطة التى يقيمها هذا الاتفاق مجرد شكل بلا محتوى، وأنها ستظل أسيرة إسرائيل التى ستستخدمها لأداء وظيفة مجددة هى تجميل الاحتلال, وإنهاء المقاومة ضده, وتحويله إلى أرخص احتلال فى تاريخ الغزو الاستعمارى.