عالم بلا استقطاب

عالم بلا استقطاب!

عالم بلا استقطاب!

 تونس اليوم -

عالم بلا استقطاب

بقلم : مكرم محمد أحمد

يبدو أن عصر الاستقطاب قد زال وانتهى وان زمن الاقطاب الذى كانت تدور فى افلاكها الدول منقسمة على أنفسها لحساب إيديولوجيات وعقائد متناقضة يجر ذيوله الاخيرة الى زمن جديد مختلف ، يمكن ان تكون فيه صديقا للصين والروس وعلى علاقة تعاون وثيق مع الولايات المتحدة حسبما تملى مصالحك كما هو حال مصر الان ، اختلفت التحالفات ولم يعد أساسها الاستقطاب السياسى او الايديولوجى، وانتهت قسمة العالم الى معسكرات تتسابق خلافا على مراكز القوى والنفوذ. وبسقوط حائط برلين وزوال الاتحاد السوفيتى وضمور الماركسية وتنامى الغضب العالمى من العولمة والرأسمالية المتوحشة تغير عالمنا بعد ان اقر الجميع بقوانين السوق وضرورة التعاون الدولى لمواجهة ظاهرات سلبية عديدة مثل مشاكل المناخ والجريمة المنظمة وحق الدول فى التقدم. واصبحت النظرة الجديدة التى تحكم عالمنا المتغير اين تقع المصالح والمخاطر المشتركة وكيف نواجهها؟ وقامت تحالفات مختلفة جديدة تمليها علاقات المصالح والجيرة والجغرافيا وعوامل اخرى أبعد أثرا فى حياة الناس من الحرب الباردة ، بينما تتفكك علاقات التحالفات القديمة التى كبلت ارادات الامم وحرياتها فى الاختيار. بريطانيا تخرج من الاتحاد الاوروبى لانها ضاقت ذرعا بقيود التكتل الاوروبي، والاتحاد الاوروبى يعانى كل يوم ازمة جديدة مع الولايات المتحدة ، آخرها ازمة الاتفاق النووى الايرانى ، الذى تراه فرنسا وألمانيا وانجلترا فى مصلحة أمن العالم وأحد عوامل خفض السباق النووى فى الشرق الاوسط ، بينما تراه ادارة الرئيس الامريكى ترامب فى غير مصلحة الامن الامريكى لانه اعطى لايران فرصة ان تمدد نفوذها فى الشرق الاوسط وأن تكون ضمن القوى التى تخرب الاستقرار والامن فى المنطقة. وثمة أزمة كبيرة تنتظر العلاقات الاوروبية الامريكية بسبب هذا الاتفاق وأغلب الظن أنها لن تكون الاخيرة لأن عوامل التآكل والتفكك فى تحالفات الزمن الماضى العقائدية باتت اقوى من عوامل الدمج والتوحد وهذا ما حدث فى معسكر الدول الشرقية قبل عقود ويحدث الآن فى تحالفات العالم الغربى وما من تفسير لهذا المنطق سوى ان الدول ضاقت ذرعا بقيود التكتلات السياسية وكسبت شرعية الاختيار وفق مصالحها. (ودلالة ذلك رحلة الملك سلمان عاهل السعودية الاخيرة الى موسكو التى زار فيها الكرملين وتوافق فيها مع الرئيس الروسى بوتين على عدد من الاتفاقات المهمة ذات طبيعة إستراتيجية ، والتقى رئيس الوزراء ديمترى مدفيديف ووزير الدفاع وأكد فى جميع لقاءاته أن علاقات البلدين تنتظرها آفاق رحبة، وتعاقد على تصنيع أجزاء مهمة من شبكة الدفاع الصاروخية إس 400 المضادة للطائرات والصواريخ وعلى شراء شبكات دفاع صاروخية ضد الدبابات وتصنيع البندقية الآلية كلاشنكوف، فضلا عن تعاون السعودية وروسيا المتزايد على خط اتزان سوق البترول العالمية وتحديد حجم الانتاج بما يحافظ على توازن المصالح بين المنتجين والمستهلكين ويبقى على السعر العادل فى حدود 50 دولارا للبرميل، خصوصا ان السعودية وروسيا هما اكبر المنتجين فى العالم، كما لم يعد سعر البترول بفضل تعاون موسكو والرياض اداة إضرار بمصالح بعض المنتجين دون الآخرين، بل اصبح اداة ضبط لمصلحة المنتجين والمستهلكين يقل استخدامه لحسابات سياسية. وذلك يعنى ان العالم يخرج من نطاق الاستقطاب الى حالة جديدة مختلفة ترعى فيها كل دولة مصالحها الوطنية اولا ، ولا اظن أن أحدا ينكر أن مصر هى التى فتحت هذا الطريق عندما اختارت تنويع السلاح سياسة ثابتة تزداد ترسخا وتوسعا منذ ان تم شراء صفقة الميراج الشهيرة قبل حرب 73 ثم جاء الرئيس عبدالفتاح السيسى ليجعل من هذا النهج سياساته الثابتة فى المجالين العسكرى والاقتصادى وفق مبدأ مراعاة المصالح الوطنية اولا.ليصل الامر الى حد الشراكة مع فرنسا والصين وروسيا والولايات المتحدة فى مجالات بعينها , فى اطار الالتزام بالمصالح الوطنية وحماية الارادة واستقلال القرار.

وها هى السعودية اهم حليف للغرب تنوع سلاحها وفق مصالحها الوطنية وتؤكد استعدادها لبناء علاقات اقتصادية وعسكرية رحبة مع الروس تزداد نموا دون اى قيود أيديولوجية، لأن الأيديولوجية سقطت من اعتبارات السياسة بسقوط الماركسية وسقوط حائط برلين ، ولان العالم خرج من حالة الاستقطاب الشديد التى جاءت مع الحرب الباردة الى نطاق أرحب من التعاون الدولى يتوافق مع طبيعة مشكلات عصرنا الراهن

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عالم بلا استقطاب عالم بلا استقطاب



GMT 08:43 2019 الخميس ,30 أيار / مايو

ترامب فى آخر طبعة تغيير جذرى فى المواقف!

GMT 09:11 2019 الثلاثاء ,28 أيار / مايو

أمريكا تدعم حفتر فى حربه على الإرهاب

GMT 08:27 2019 الإثنين ,27 أيار / مايو

أمريكا تُعزز وجودها العسكرى

GMT 07:30 2019 الأحد ,26 أيار / مايو

هل يحارب أردوغان قبرص؟

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 14:28 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

تشعر بالعزلة وتحتاج الى من يرفع من معنوياتك

GMT 09:45 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

20 عبارة مثيرة ليصبح زوجكِ مجنونًا بكِ

GMT 16:52 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تتيح أمامك بداية السنة اجواء ايجابية

GMT 15:26 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

يوم مميز للنقاشات والاتصالات والأعمال

GMT 07:09 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أمور إيجابية خلال هذا الشهر

GMT 16:36 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

النشاط والثقة يسيطران عليك خلال هذا الشهر

GMT 17:29 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحالفك الحظ في الايام الأولى من الشهر
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia