هنا أسيوط

هنا أسيوط

هنا أسيوط

 تونس اليوم -

هنا أسيوط

عمرو الشوبكي

الصعيد دائما منسى، والصعيد غالبا لا يذهب إليه أهل القاهرة إلا فى المناسبات أو لزيارة الأقارب وذوى القربى، والصعيد هو بالنسبة لطبقات ميسورة كثيرة من أهل الشمال هو أسوان المشتى، والأقصر الآثار، أما ما قبلهما من مدن ومحافظات فهى الأقل حظاً فى التنمية، والأكثر فقرا، والأعلى نسبة أمية مقارنة بباقى محافظات مصر، ولكنه فى نفس الوقت هو الأكثر إنتاجاً للشعر والأدب والقصة، ومن قلب محافظته أسيوط أنجب الزعيم الراحل جمال عبدالناصر، وهو أيضا محتفظ بقيم أخرى «غير ثأرية» من الكرم والشهامة وعزة النفس.

حاولت أن أكون من بين من لم ينسوا الصعيد، فزرت أسيوط ثلاث مرات، والأقصر وأسوان عشرات المرات، وزرت المنيا 3 مرات، وبنى سويف أكثر من 6 مرات، وقنا مرة واحدة، وأغلبها فى لقاءات ومؤتمرات سياسية، وبقيت سوهاج المدينة الوحيدة التى لم أزرها.

وحين تلقيت دعوة من حسام حسن، القيادى بالحزب الاجتماعى الديمقراطى، والمهندس هلال عبدالحميد، أمين الحزب فى محافظة أسيوط، لم أتردد فى قبولها، رغم أنها جاءت فى «التوقيت الحار» فى شهر أغسطس، وسافرت بالفعل يوم الجمعة الماضى وبقيت حتى يوم السبت، والتقيت عدداً من السياسيين ومرشحى تحالف الوفد المصرى المحتملين من الحزب الاجتماعى الديمقراطى وقوى أخرى، وزرت ثلاثة مراكز هى موشا وصدفا والقوصية، وقمت بلقاءين فى أسيوط نفسها.

البداية كانت لقاءً تعارفياً لمدة نصف ساعة فى مدينة أسيوط، حضره د. عصام الزناتى، عميد كلية الحقوق السابق، وفيه طرح بعض الشباب مخاوفهم من عودة النظام القديم، ومن تجاوزات الأجهزة الأمنية، وأبدوا اعتراضهم على قانون التظاهر الذى تسبب فى ملاحقة عدد من النشطاء.

والحقيقة أن الاجتماع «التعارفى» الأول والاجتماع الختامى الأخير اللذين عُقدا فى أسيوط، وضما سياسيين وشباباً من المدينة، طرحت فيهما هموم وأولويات لا علاقة لها تقريباً بما سمعته فى المراكز الثلاثة، فقانون التظاهر الذى اعترض عليه البعض لم يتحدث عنه أحد، بل حين سألنى أحد الحاضرين فى مركز صدفا عن القانون قلت: أرى تعديل بعض مواده (مادتين بشكل أساسى) حتى لا يُجرّم التظاهر السلمى ويواجهه أى متظاهر يمارس عنفا أو إرهابا. واعترض أحد الحاضرين بشدة وقال: نحن لا نريد من الأصل مظاهرات، وهؤلاء المتظاهرون ما هم إلا مجموعة من المخربين، وتركز حديث الحضور عن أوضاع الصعيد ومشاكله، وعن مصر ومشاكلها، وعن موعد الانتخابات. وسألنى أحد الحاضرين عن موقفى من التسجيلات المسربة فكررت نفس ما كتبته فى مقال «أين الدولة؟» الأسبوع الماضى.

والمؤكد أن بعض شباب الأحزاب المدنية الذى قاد ثورتى 25 يناير و30 يونيو انتقل فى خطابه ضد قانون التظاهر من حالة «يسقط قانون التظاهر» و«سنتظاهر اليوم من أجل إسقاط قانون التظاهر» إلى المطالبة بتعديل قانون التظاهر، وتلك نقلة مهمة فى ممارسة العمل السياسى سبق أن أشرت إليها فى مقال سابق عن قانون التظاهر، اعترض عليه البعض لأنه طالب بضرورة وجود قانون منظم للتظاهر فى حين هناك من يرفض وجود القانون من حيث المبدأ، وتحدث بلغة الإسقاط التى هدمت ولم تبن شيئاً حتى الآن.

المؤكد أن هناك تغيراً فى لغة كثير من الشباب الثورى، خاصة المنتمين إلى أحزاب مدنية تحاول أن تبنى مؤسسات سياسية وتقدم رؤى بديلة لكثير من السياسات الحالية، ولا تكتفى فقط بالصوت الاحتجاجى الذى هو إحدى أدوات السياسة وليس أداتها الرئيسية.

مراكز الصعيد الثلاثة التى زرتها كان فيها مرشحون محتملون لانتخابات البرلمان المقبل، ففى موشا كان لقاء فى منزل حسن توفيق الذى تحدث عن الصعيد والعدالة الاجتماعية والتحالفات السياسية، وفى صدفا كان العمدة حمادة الذى تقف خلفه كتل تصويتية كبيرة من عدد من العائلات والقوى التقليدية، وحضر اللقاء ممثلون عن رجال الدين المسيحى والإسلامى وهو ما أكده لى عدد من المسيحيين بأن «دوار العمدة» هو الملتقى الوحيد فى المركز الذى يضم مسلمين ومسيحيين، وتُناقش فيه هموم الوطن والناس بحرية كاملة.

أما مركز القوصية فاستضافنا فيه المرشح المحتمل فتحى محمد حسين، وكان مؤتمرا كبيرا وحضورا متنوعا شارك فيه الناس بنقاش مفتوح عقب كلمتى وكلمة عبدالغنى هندى، رئيس نقابة الدعاة بالأزهر الشريف، وكرر الحضور مرة أخرى حديثهم عن الصعيد المنسى، وعن ضعف الميزانية المرصودة لتنمية الصعيد.

المؤكد أن فى داخل المجتمع المصرى تنوعات كثيرة، وفى بعض الأحيان جزر منعزلة، فهناك الجزيرة الكبيرة المؤيدة للدولة الوطنية والخطوط العامة للمسار الحالى، وهناك جزيرة أخرى منعزلة عن المجتمع ومعادية للدولة وتضم جماعة الإخوان، وفى داخل الجزيرة الأولى الكبيرة هناك جزر فرعية أخرى، فهناك جزيرة النشطاء، وجزيرة الناس وخلق الله، وهناك الحضر والريف، وهناك الصعيد وبحرى، وهناك القوى التقليدية والمحافظة، والقوى المدنية والتقدمية، وكل هذه الجزر الواقعة داخل مبادئ الدولة الوطنية تضم مؤيدين ومعارضين توافقوا على العمل السياسى السلمى دون عنف أو تخريب.

الصعيد كاشف لفروقات كثيرة فى مصر، ولكنه كاشف أيضا لفروقات بين حضر الصعيد ومدنه، وبين مراكزه وقراه، وتلك كلها فجوات يجب تقليلها ولا نقول اختفاءها، لأن التنوع- وليس التناقض- جزء من سنن الكون.

 

 

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هنا أسيوط هنا أسيوط



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 08:36 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

تركيا تشن حرباً اقتصادية من أجل الاستقلال!

GMT 08:33 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيران: تصدير النفط أم الثورة؟

GMT 08:30 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

براً وبحراً والجسر بينهما

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 18:47 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الدلو الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 18:38 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج القوس الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 14:13 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج العقرب الخميس 29 -10 -2020

GMT 14:08 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج العذراء الخميس 29-10-2020

GMT 15:33 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

يبشّر هذا اليوم بفترة مليئة بالمستجدات

GMT 18:18 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الأسد الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 16:31 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

فرص جيدة واحتفالات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 18:23 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر مع تنافر بين مركور وأورانوس
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia