هل هناك حنين لعصر مبارك

هل هناك حنين لعصر مبارك؟

هل هناك حنين لعصر مبارك؟

 تونس اليوم -

هل هناك حنين لعصر مبارك

عمرو الشوبكي


هل هى عادة مصرية أن يحنّ المصريون لأى عهد سابق، سواء كان ملكيا أو جمهوريا، أم أن الأمر له علاقة بهمومهم الجديدة التى تجعلهم يتذكرون بالخير أوضاعهم القديمة، حتى لو ثاروا عليها؟

وقد عرفت مصر هذا الحنين الذى عبّر عنه الكثيرون تجاه العهد الملكى طوال العهود الجمهورية، فالبعض يحدثك عن أناقة الأسرة الملكية و«شياكة» الأرستقراطية المصرية و«كأنك فى باريس»، وعن الأوبرا ووسط القاهرة وجامعة الأفنديات والتعليم الحقيقى، حتى لو نسى أعداد الحفاة التى لا تُحصى، ونسب الأمية والفقر الهائلة، والتمايز الطبقى.

حنين بعض المصريين للعصر الملكى ظل موجوداً فى عز انتصارات الجمهورية حتى لو لم يحبوا الملك، ولكنه حنين لعصر الآباء والأجداد ولثلاثية نجيب محفوظ وأيام الوفد وثورة 19، وليس بالضرورة الملك وفساد النظام القائم.

ومع ذلك ظل الحنين لعصر عبدالناصر هو الأكبر لدى الغالبية العظمى من المصريين، حتى بين من عارضوه أو من أحبوا السادات، فقد ظل الحديث دائما عن رخص الأسعار، وعن إعلانات شقق للإيجار (بـ3 جنيه) حاضرا فى صفوف قطاع كبير من الناس، حتى لو قالوا لك الجملة الشهيرة «عبدالناصر كان ناجحا داخليا وفاشلا خارجيا» (وهى غير صحيحة)، أو رفضوا اشتراكيته، إلا أن حنينهم لأفلام الأبيض والأسود ولأم كلثوم وعبدالحليم حافظ والمسرح القومى وإلى أسماء الأدباء والقصاصين الكبار، وإلى طليعة لطفى الخولى وأهرام هيكل وذكريات التنظيم الطليعى ومنظمة الشباب غطى على انتقادات البعض لعصره.

عصر السادات تذكره الكثيرون فى عهد مبارك، فهو بالنسبة لمؤيديه رجل الحرب والسلام وبطل القرارات الصعبة والتحولات التاريخية، وبالنسبة لمعارضيه هو رجل سياسى بامتياز، امتلك رؤية دافع عنها ودفع ثمنها حتى لو اختلفوا معها، لأنهم كانوا فى عصر غابت عنه أى رؤية سياسية.

وجاء مبارك وبقى فى السلطة 30 عاما، عرف المصريون فى نهايتها أول ثورة شعبية تُسقط رأس النظام القائم منذ تأسيس محمد على دولتهم الوطنية الحديثة، وتصور الكثيرون أن عهد مبارك قد مُحى من التاريخ والذاكرة المصرية، وأن الشعب الذى ثار قطاع كبير منه ضد حكمه لن يتذكره بالخير فى أى لحظة.

والحقيقة أن ما جرى فى مصر طوال السنوات الثلاث الماضية جعل قطاعا يُعتد به من المصريين، بل وبعض من ثاروا عليه يقولون إن أوضاعنا كانت أفضل مما نحن فيه، وانبرى آخرون يقولون إن مبارك دور البلد وأقام مشروعات كثيرة دون أى مبالغة إعلامية ولم يكن الخلاف معه أو نقده يدخل فى حيز الوطنية والخيانة، وإن حكومته كان بها بعض الإصلاحيين وكثير من الأكفاء ولو من الفاسدين، وإن نظامه السياسى كان به حزب حاكم حتى لو زور الانتخابات إلا أنه كان فى النهاية وسيطا سياسيا ناكف الدولة ولو على النفوذ، وإن هذا الصراع كان يمكن أن يضع نظامنا السياسى فى إطار تعرفه كل دول العالم الديمقراطية وغير الديمقراطية، أى أن يكون هناك حزب حاكم ونظام غير ديمقراطى يمكن بالضغط الشعبى (فما بالنا بثورة) أن يتحول إلى نظام ديمقراطى، وهو وضع أفضل من أن تُحكم البلاد دون وسيط سياسى من أى نوع، وبدور مباشر للأجهزة الأمنية وفى غياب لأى شخصيات أو تيارات سياسية مؤيدة أو معارضة تُذكر، وبكل ما يمثله ذلك من أخطار.

دُهشت وصُدمت حين قال لى أحد شباب ثورة يناير الأشداء (والذى لايزال يعتبر مبارك أسوأ حاكم عرفته مصر فى تاريخها الحديث، وأنه سبب كل الكوارث التى أصابت البلاد فى العقود الأخيرة): كنا فى عهد مبارك نقف فى وقفات احتجاجية إذا شتم أحدنا رجل شرطة ورفض تحذيرات عمنا جورج (يقصد جورج إسحاق) بألا نسب أحدا، فنعرف أن من ارتكب هذا الخطأ سيُلقى القبض عليه، وإذا اعتقل يبقى عدة أيام، أما الآن فيبقى عدة سنوات لأنه وقف لدقائق، وذكر حالة هانى الجمل (شاب معتقل وقف ثلاث دقائق فى وقفه احتجاجية وحُكم عليه بالسجن 3 سنوات- وفق ما ذكر فى مقاله فى صحيفة التحرير).

الحنين لمبارك من قبل البعض اختلفت دوافعه وتعددت أسبابه، فهناك من تعاطف معه بسبب محاكمته والطريقة التى عُومل بها واعتبر أن عدم هروبه بعد تنحيه عن السلطة فروسية ورجولة، وأنه تصرف كرجل دولة وليس كزعيم عصابة، ولذا كان يجب ألا يحاكم من الأصل، وهناك من وجد أن ثورة يناير العظيمة اختزلها البعض فى الفعاليات الثورية والمليونيات الوهمية، ثم حكم الإخوان، فاعتبر استبداد وفساد عهد مبارك أفضل من الفوضى والخوف من الانهيار الكامل.

الحنين للسيئ بعد مشاهدة الأسوأ أمر تكرر فى منطقتنا العربية، فقد عرفت العراق نموذجا واضحا لهذه الحالة مع نظام صدام حسين الاستبدادى والدموى حين اكتشف العراقيون النظام الطائفى الذى تشكل بعد الغزو الأمريكى، كذلك تصور البعض فى مصر أن قليلاً من المظاهر السلبية فى عهد مبارك يمكن تحملها أمام مظاهر الأسوأ التى شهدتها البلاد بعده.

المؤكد أن المصريين اختلفوا حول تجاربهم وزعمائهم، ومن المؤكد أيضا أن مبارك هو الرئيس الوحيد الذى أسقطه الشعب المصرى بثورة شعبية كبرى، وهو ما لم يفعله مع الملوك ولا مع ناصر ولا السادات، وأن تعثره أو فشله فى تحقيق أهداف هذه الثورة لا يعنى أن من ثار عليه كان حاكما جيدا (كان سيئا)، إنما يعنى ببساطة أن المسار الذى كان يجب أن يسلكه الشعب بعد تنحى مبارك فى 11 فبراير 2011 ساروا عكسه، فتعثروا وكادوا يسقطون بصورة كاملة، وهو أمر إذا حدث مع أى شعب فى الدنيا فسيحنون أيضا إلى «مباركهم» وإلى العهد السابق فى انتظار لحظة قادمة يبنون فيها الجديد الذى تمنوه وحلموا به، بل وناضلوا ولو أحيانا من أجله.

 

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هل هناك حنين لعصر مبارك هل هناك حنين لعصر مبارك



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 08:36 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

تركيا تشن حرباً اقتصادية من أجل الاستقلال!

GMT 08:33 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيران: تصدير النفط أم الثورة؟

GMT 08:30 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

براً وبحراً والجسر بينهما

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 14:16 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج القوس الخميس29-10-2020

GMT 16:15 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

النزاعات والخلافات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 16:45 2019 الخميس ,04 إبريل / نيسان

أبرز الأحداث اليوميّة عن شهر أيار/مايو 2018:

GMT 17:32 2019 السبت ,30 آذار/ مارس

آمال وحظوظ وآفاق جديدة في الطريق إليك

GMT 18:26 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الميزان الإثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 18:11 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر بيوم مناسب لك ويتناغم مع طموحاتك

GMT 10:44 2013 الثلاثاء ,09 إبريل / نيسان

شرش الزلّوع منشط جنسي يغني عن الفياغرا

GMT 14:55 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

يحذرك من ارتكاب الأخطاء فقد تندم عليها فور حصولها

GMT 18:34 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia