من أمريكا 1 3

من أمريكا (1- 3)

من أمريكا (1- 3)

 تونس اليوم -

من أمريكا 1 3

عمرو الشوبكي

زيارتى الأولى لأمريكا كانت فى إبريل 2007 حين دعتنى جامعة جورج تاون إلى المشاركة فى مؤتمر دولى عن الحركات الإسلامية، والزيارة الثانية كانت نهاية الأسبوع الماضى حين دعانى معهد دراسات الشرق الأوسط لحضور مؤتمره السنوى والحديث عن تحديات التحول الديمقراطى فى مصر.

زيارتان لواشنطن طوال عمرى البحثى الذى يمتد إلى ربع قرن، واكتشاف أمريكا يعنى فى الحقيقة اكتشاف عالم آخر ينظر أهله وكأنهم عالم «وحده» وباقى بلاد الدنيا مجتمعة عالم آخر.

أذكر أن فى زيارتى الأولى لأمريكا قال لى أحد زملائى الفرنسيين حكاية أقرب للخيال عن علاقة الأمريكيين بالعالم الخارجى مازلت أتذكرها حتى الآن، فقد ذكر لى أنه جاء لأمريكا فى أوائل السبعينيات، وعمل فى المطاعم والمقاهى، وسألته مرة زوجة صاحب العمل: حين يسافر الناس إلى إنجلترا أو إلى مكان خارج أمريكا أى لغة يتكلمون؟ والمدهش أن السيدة سألته ماذا يتكلم الناس فى إنجلترا، أى البلد الذى يتحدث الأمريكيون نفس لغتها!

حتما تغيرت أمريكا، والمؤكد أنها لم تعد هى نفسها أمريكا السبعينيات، فقد انفتحت أكثر على العالم الخارجى وتورطت فى حروب كثيرة، بعد أن ظن الكثيرون أن فيتنام هى آخر الحروب، وقدمت واحدة من أكثر التجارب فشلا ومأساوية فى العراق، واضطر الأمريكيون أن يعرفوا أكثر عن العرب والمسلمين بعد اعتداءات 11 سبتمبر، حتى لو ظلت بلاد كثيرة فى العالم العربى لا يعرفون حتى أسماءها، باستثناء مصر التى من المستحيل أن تجد مواطنا أمريكيا، ولو غير متعلم، لم يسمع عنها، على الأقل لأسباب تاريخية وفرعونية.

حين تصل أمريكا تشعر على خلاف ما تشعر به فى بلاد غربية أخرى بأنها «بلا صاحب»، فعبق التاريخ القديم- (ومميزاته أيضا)- لا تشعر بوجوده فى أمريكا، وأن أى شخص يأتى لهذا البلد قصير العمر ويلتزم بالقوانين الأمريكية يصبح أمريكيا، على عكس بلاد أخرى يلعب فيها أصله وثقافته دورا رئيسيا فى انتمائه لبلده الجديد.

إن الشعور الوطنى أساسه الالتزام بنمط الحياة الأمريكى وليس بالضرورة أصولك الأمريكية، على عكس أوروبا، التى ترجح الثانية، (الأصول الأوروبية)، حتى لو حصلت على الجنسية والتزمت بنمط الحياة السائد.

والمؤكد أنه لا توجد فى الثقافة السياسية الأمريكية أى عوائق أو عراقيل تجاه الحراك الاجتماعى أو السياسى أو المالى، فهناك قدرة هائلة للنظام على استقطاب أفضل العناصر وتصعيدها داخل السلم الاجتماعى والسياسى، بصرف النظر عن اللون أو العرق أو الدين، وهو أمر لا نجده بنفس الدرجة فى أوروبا، أو كما قال لى أحد الأصدقاء الأوروبيين مرة إن أوروبا أمامها عشرات السنين حتى تنتخب واحدا مثل أوباما من أصول أفريقية.

والمؤكد أن النفعية الأمريكية كبيرة، وأنها لا تضيع وقتها فى الأصول والحسب والنسب، فطالما أنها ترغب فى الاستفادة من أى شخص يمكن أن يقدم إضافة على المستوى السياسى أو الاقتصادى لأمريكا، يصبح تلقائيا جزءا من النظام العام.

بالمقابل سنجد أن «النموذج الأمريكى» على خلاف نظيره الأوروبى يشعرك بأنك إذا كنت فقيرا فهذه مشكلتك أو مشكلة قدراتك التى لم تسمح لك بأن تكون ثريا، وغياب كثير من صور التضامن الاجتماعى التى تقوم بها الدولة فى أوروبا تجاه الفقراء، وتعثُّر مشروع أوباما فى التأمين الصحى، ولذا نجد معدلات العنف والجريمة فى أمريكا أعلى بكثير من كل البلدان الأوروبية، وربما معظم بلاد العالم، رغم ثرائها الشديد.

ستظل أمريكا حالة فريدة وغير متكررة فى العالم، وهى نموذج غير قابل للتصدير ولا الاستيراد، إنما للفهم والاستفادة.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

من أمريكا 1 3 من أمريكا 1 3



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 08:36 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

تركيا تشن حرباً اقتصادية من أجل الاستقلال!

GMT 08:33 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيران: تصدير النفط أم الثورة؟

GMT 08:30 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

براً وبحراً والجسر بينهما

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 18:47 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الدلو الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 18:38 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج القوس الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 14:13 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج العقرب الخميس 29 -10 -2020

GMT 14:08 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج العذراء الخميس 29-10-2020

GMT 15:33 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

يبشّر هذا اليوم بفترة مليئة بالمستجدات

GMT 18:18 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الأسد الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 16:31 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

فرص جيدة واحتفالات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 18:23 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر مع تنافر بين مركور وأورانوس
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia