مبروك لمصر

مبروك لمصر

مبروك لمصر

 تونس اليوم -

مبروك لمصر

عمرو الشوبكي

أُعلنت اليوم لحظة افتتاح قناة السويس الجديدة وأنجزت مصر فرعاً ثانياً للقناة الكبرى لتستكمل به رحلة عمل وبناء، وحروب وسلام دارت كلها على ضفاف القناة منذ حفرها فى عهد الخديو إسماعيل (افتُتحت قناة السويس عام 1869)، مروراً بتأميمها فى عهد جمال عبدالناصر، ثم إغلاقها عقب هزيمة 67، ثم عبورها فى انتصار 73، وافتتاحها مرة أخرى عام 1975.

رحلة ممتدة منذ حوالى قرن ونصف القرن من الزمان استكملتها مصر بإنجاز كبير آخر حين نجحت فى عام واحد أن تنهى العمل فى الفرع الثانى لقناة السويس لمسافة 37 كيلومترا فى رحلة تحد كبيرة رغم الظروف الصعبة.

المؤكد أن المشروع إنجاز كبير، وكل مشكك وكاره أن يظهر المصريون فى مظهر الشعب القادر على العمل والإنجاز، ويرغب فى أن يحصرهم فى صورة الشعب العاجز عن الفعل والعمل ويروج فقط لصور العنف والإرهاب- خاب ظنه، وقدمت السواعد المصرية ملحمة كبيرة بإنجاز مشروع بهذا الحجم فى عام واحد فقط بعد أن كان من المتوقع أن يتم إنجازه فى 3 سنوات.

واللافت أنه منذ اليوم الأول لإعلان هذا المشروع وهناك المندهشون من الجمهور الذى دعم المشروع فأقبل على شراء شهادات قناة السويس، وهؤلاء يمثلون من سميناهم من قبل الجمهور الثانى غير المنخرط فى أحزاب، ويمثل ظهيراً شعبياً لايزال كبيراً لأى مشروع أو خطاب وطنى قادم من الدولة، وهو تربة خصبة لثقافة سياسية تمحورت منذ ثورة يوليو حول الدولة وزعمائها وتنظيماتها حتى أصبحت- ولاتزال- الرقم الأكبر فى الحياة السياسية المصرية.

الجمهور الثانى كان هو الظهير الشعبى للضباط الأحرار حين تعثرت تجربة الأحزاب، فدعم تجربتهم ونظر لقائدهم عبدالناصر باعتباره مخلصا وليس فقط زعيماً، أما الآن فمن الصعب أن تقيم أمة بالجماهير دون وسيط سياسى وأهلى وحزبى منظم من بينهم، ومن الصعب أيضا أن تبنيها بدونهم، فمصر الستينيات ليست مصر الألفية الثالثة، كما أنها لم تتقدم ببناء السد العالى فقط ولم تكتف بالعموميات والشعارات الوطنية رغم قوتها وكثافتها وحضورها فى الوجدان الشعبى، إنما كانت لديها رؤية سياسية واضحة غائبة منذ مبارك حتى الآن.

هناك فرح ودعم شعبى بافتتاح الفرع الثانى لقناة السويس، وأمل بأن يكون هذا المشروع هو بداية مرحلة جديدة فى تاريخ مصر، صحيح أن هناك مآخذ كثيرة على الصخب الإعلامى المبالغ فيه فى الغناء والهتاف كل يوم للمشروع، وهى أمور نحتاجها فى ظروفنا الحالية بقدر، إنما أن تصل إلى هذا النوع من المبالغات الفجة فهو أمر ضار بمسار البلد وبثقة الشعب فى مشروعه الكبير ومستقبله.

لقد تراجعت لغة الأرقام فى الحديث عن القناة الجديدة، واحتاج المرء إلى الرجوع لمصادر متعددة حتى نصل إلى توقعات قريبة من الحقيقة لعائدها المادى، فالواضح أنه بحلول 2023 سيتضاعف دخل قناة السويس بالكامل، أما فى السنوات القادمة فمن المتوقع أن يزداد دخلها حوالى 2 مليار دولار، وهو إضافة أكيدة للاقتصاد المصرى.

لم يحدث نقاش عام حقيقى حول المال والجهد الذى دُفع من أجل إنجاز القناة فى عام واحد بدلا من 3 سنوات، فهناك رأى علمى قوى كان يفضل إنجازها فى عامين، لأن التكلفة كانت ستصبح أقل بكثير من إنجازها فى عام.

ومع تقديرى لهذا الرأى إلا أن مصر فى وضعها الحالى كانت بحاجة إلى إنجاز سريع مهما كانت التكلفة (وظلت معقولة) لأن عائد هذا الإنجاز من الناحيتين المعنوية والسياسية كبير والبلاد فى حاجة إليه.

توظيف إنجاز القناة يجب ألا يكون على حساب الاهتمام بالصورة التفصيلية والواقع المصرى المعاش، لأن مصر تحتاج إلى إصلاح جراحى حقيقى لكل مؤسساتها، فأمس الأول كان هناك حادث بنى سويف المؤلم، الذى راح ضحيته 6 أشخاص، وكل يوم تشهد مصر حوادث طرق مرعبة حتى أصبحت الدولة الأولى فى العالم فى حوادث الطرق، وقبلها بأسبوعين مات 40 مصرياً بسبب ارتطام مركب متهالك بآخر ينقل مصريين بسطاء فى منطقة الوراق، وبعدها بأيام قليلة مات 30 مصريا آخر حرقاً فى أحد مصانع سوق العبور نتيجة الإهمال والفساد.

نحن أمام تحديات كبيرة لن نواجهها بالغناء والهتاف، لأن تحدى الإرهاب، وتحدى تدهور الخدمات، وتحدى إصلاح وتطوير التعليم والصحة ومنظومة العدالة والشرطة، وغيرها الكثير مازالت تحديات لم ننتصر عليها بعد.

الطاقة التى فجّرها بناء القناة الجديدة يجب أن توظف لصالح تغيير أوضاع البلاد والعباد وبناء مشروع سياسى إصلاحى وآخر اقتصادى تنموى، ينقل البلاد خطوات للأمام، ولا يترك ملايين المصريين الذين فرحوا من قلوبهم لافتتاح القناة فى العراء للدولة البيروقراطية وللأداء المتدهور، إنما يجب أن يبلوروا مشاريع سياسية وأهلية تنظم طاقتهم فى اتجاه صحيح ولا تبقى فى تلك المساحة التى تكره السياسة وتجرفها.

لكل مصرى محبط أو متحفظ أو رافض لا تسود حياتك بأن ترى الإنجازات فشلاً، فالقناة الجديدة إنجاز عظيم، وافرح كما فرحت الغالبية العظمى من المصريين الذين أثبتوا أنهم قادرون على العمل فى ظل أصعب الظروف ومهما كانت التحديات.

مبروك لمصر وشعبها القناة الجديدة، وستبقى قناة السويس رمزاً لنضال هذا الشعب من أجل الحرية والكرامة.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مبروك لمصر مبروك لمصر



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 08:36 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

تركيا تشن حرباً اقتصادية من أجل الاستقلال!

GMT 08:33 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيران: تصدير النفط أم الثورة؟

GMT 08:30 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

براً وبحراً والجسر بينهما

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 14:16 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج القوس الخميس29-10-2020

GMT 16:15 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

النزاعات والخلافات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 16:45 2019 الخميس ,04 إبريل / نيسان

أبرز الأحداث اليوميّة عن شهر أيار/مايو 2018:

GMT 17:32 2019 السبت ,30 آذار/ مارس

آمال وحظوظ وآفاق جديدة في الطريق إليك

GMT 18:26 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الميزان الإثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 18:11 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر بيوم مناسب لك ويتناغم مع طموحاتك

GMT 10:44 2013 الثلاثاء ,09 إبريل / نيسان

شرش الزلّوع منشط جنسي يغني عن الفياغرا

GMT 14:55 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

يحذرك من ارتكاب الأخطاء فقد تندم عليها فور حصولها

GMT 18:34 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia