فى انتظار انهيار الرأسمالية

فى انتظار انهيار الرأسمالية

فى انتظار انهيار الرأسمالية

 تونس اليوم -

فى انتظار انهيار الرأسمالية

عمرو الشوبكي

انهيار النظام الرأسمالى شعار ترفعه بعض التيارات اليسارية منذ عقود طويلة، وحين عرفت مصر تجربة اشتراكية حقيقية لم تؤمم أكشاك السجائر ولا عربات التاكسى، وصفتها بأنها رأسمالية دولة تمييزا لها عن اشتراكيتها التى لم تأت.

قد تبلورت الجماعات الثورية المعاصرة التى سعت لإسقاط النظام الرأسمالى مع ثورة الطلاب فى أوروبا 68، خاصة فى فرنسا، وهنا سنجد جماعات تروتسكية وماوية وشيوعية ثورية فجرت طاقة غضب واحتجاج ضد النظام الرأسمالى، وساهمت فى تعديل بعض قواعده وتبنيه منظومة جديدة للعدالة الاجتماعية والتأمين الصحى وحقوق العمال.

وقد ظهرت فى كثير من دول العالم، وخاصة أوروبا وأمريكا الجنوبية، تيارات يسارية تدعو إلى انهيار النظام الرأسمالى بالطرق السلمية والديمقراطية، ولعل من أهمها تجربة تحالف اليسار فى فرنسا، التى ضمت بشكل أساسى الحزبين الشيوعى والاشتراكى، وقدما فى 1981 ما عرف بالبرنامج المشترك الذى طالب «بإحداث قطيعة مع النظام الرأسمالى»، وتأميم المنشآت الكبرى وبداية عهد الاشتراكية فى فرنسا.

وفاز الزعيم الاشتراكى الراحل، فرانسوا ميتران، فى انتخابات 81 وأصبح رئيساً للجمهورية، واكتشف بعد فترة وجيزة أن معظم ما جاء فى برنامجه غير قابل للتطبيق، وأن بعض ما حاول تطبيقه فى مجال توحيد نظام التعليم (الانتهاء التدريجى من التعليم الخاص لصالح الحكومى) تراجع عنه فى خلال أشهر قليلة بعد موجة احتجاجات غير مسبوقة شهدتها فرنسا.

لم يحدث الرئيس الاشتراكى الفرنسى قطيعة مع النظام الرأسمالى، إنما أحدث الأخير قطيعة مع اشتراكيته التى بشر بها، ولم ينهر النظام الرأسمالى إنما استمر وتطور وجدد من بعض مسلماته، وهو ما تكرر مع تجارب اشتراكية أخرى داخل أوروبا وخارجها دعت إلى إسقاط النظام الرأسمالى وإحداث قطيعة مع قيمه ونظمه وقوانينه، وحين تصل للسلطة تتغير هى ولا تسقط الرأسمالية.

تجربة حزب سيريزا فى اليونان، وتعنى اليسار الراديكالى، هى بدورها تجربة لافتة فى هذا الإطار، فقد تأسس الحزب لكى يتجاوز إرث الحزب الاشتراكى اليونانى (الباسوك) على اعتبار أنه تحول لحزب إصلاحى خان المبادئ الاشتراكية الثورية، وتبنى فى بدايته خطابا يذكرك بخطاب بعض شلل اليسار الثورى فى بلادنا (تسمى مجازاً تنظيمات وأعضاؤها بالعشرات).

وقد دعا الحزب إلى الخروج من منطقة اليورو وإحداث قطيعة مع النظام الرأسمالى وبعد وصول زعيمه أليكسيس تسيبراس إلى السلطة تراجع تماماً عن هذا الطرح وأقدم على أهم مناورة يسارية ناجحة منذ عقود، حين دعا الشعب إلى استفتاء على قبول الشروط الأوروبية فرفضها 61% من أبناء الشعب اليونانى، وهو ما ساعده على الدخول فى مفاوضات جديدة حسنت من شروط القرض، وسمحت له بإنفاقه بالطريقة التى يراها مناسبة ودون تدخل من الاتحاد الأوروبى إلا فى تنفيذ شروط السداد.

سيريزا ظل حزبا ثوريا وهو خارج السلطة يطالب بإحداث قطيعة مع النظام الرأسمالى والخروج من أوروبا الرأسمالية، سيريزا أصبح حزبا إصلاحيا بعد وصوله إلى السلطة يحاول أن يعدل من شروط الرأسمالية الألمانية المفروضة على بلاده.

تجارب كل الأحزاب اليسارية التى دعت لهدم النظام الرأسمالى تغيرت جذرياً بعد وصولها للسلطة، وذلك لسبب بسيط أن النظام الرأسمالى مرن وقابل للتطور والإصلاح، وأن لا أحد ينكر أنه لولا الأحزاب اليسارية ونقابات العمال القوية ما تغير النظام الرأسمالى للأفضل.

على الجميع أن يسعى لإرساء قيم الإصلاح والتجديد وإعادة البناء بدلاً من أوهام الانهيار والسقوط والتدمير، وهى مفردات أثبتت فشلها فى كل المشاريع الأيديولوجية التى رفعتها، بصرف النظر إذا كان مضمونها اشتراكيا أو إسلاميا أو قوميا، فالنتيجة واحدة: لم تنجح.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

فى انتظار انهيار الرأسمالية فى انتظار انهيار الرأسمالية



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 08:36 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

تركيا تشن حرباً اقتصادية من أجل الاستقلال!

GMT 08:33 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيران: تصدير النفط أم الثورة؟

GMT 08:30 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

براً وبحراً والجسر بينهما

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 18:22 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج العذراء الإثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 12:53 2014 الثلاثاء ,25 شباط / فبراير

"Facebook messenger" سيكون متاحًا لويندوز فون بعد أسابيع

GMT 11:08 2016 الثلاثاء ,26 كانون الثاني / يناير

وقف الهدر والتبذير..شعار الكويت الجديد

GMT 16:21 2019 الخميس ,27 حزيران / يونيو

اجتماع تقني يجمع مسؤولي منتخبَي مالي وتونس

GMT 11:21 2018 الأحد ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

عقدة حياتو والكامرون

GMT 14:25 2017 الأحد ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

فيلم الرعب "Jigsaw" يحقق 32 ميلون دولار في أسبوع عرضه الأول

GMT 09:26 2017 الخميس ,13 إبريل / نيسان

سوسيج تري كامب السحر الحقيقي للحياة البرية

GMT 20:34 2018 الإثنين ,10 كانون الأول / ديسمبر

"HER" BURBERRY عطر المرأة الجريئة الباحثة عن التميز

GMT 12:54 2019 الثلاثاء ,11 حزيران / يونيو

أبسط وأسهل طريقة لاختيار الحجاب الملون بأناقة

GMT 13:37 2012 الخميس ,20 كانون الأول / ديسمبر

كأس ألمانيا: دورتموند وشتوتغارت وبوخوم إلى ربع النهائي

GMT 03:00 2013 الجمعة ,25 تشرين الأول / أكتوبر

ظاهرة "الإرهاب" كلفت تونس 4 مليارات دينار
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia