عام جديد

عام جديد

عام جديد

 تونس اليوم -

عام جديد

عمرو الشوبكي

طوى العالم صفحة 2015، وخط السطر الأول فى عام 2016، وشهدنا أحداثاً كثيرة، بعضها غيَّر فى صورة مناطق كثيرة من العالم، وبعضها الآخر كرر كثيرا من مشاهد العالم السابق، وبقى العام الجديد يحمل دعوات وآمال شعوب كثيرة، بعضها يحلم بالعدالة والديمقراطية، وبعضها الآخر يبحث عن وطن يضم أحلامه أو أوجاعه، وبعضها الآخر يتمنى أن يجد بيتا بدلا عن المخيم ودولة يناكفها وتناكفه بدلا من إرهاب التنظيمات المسلحة.

العالم تغير فى 2015، والعالم العربى تدهور، ودول إقليمية كبرى مثل تركيا تراجعت، وأخرى مثل إيران تقدمت، وبعضها- مثل مصر- اكتفت بالوقوف فقط على أقدامها، أما القوى العظمى فيقينا روسيا تقدمت وعادت بقوة للعب دور مباشر فى العالم العربى، من خلال التدخل العسكرى فى سوريا، وهو أول حضور عسكرى روسى مباشر منذ عقود طويلة فى العالم العربى، بعد أن احتكرت أمريكا هذه الصفة، أما الصين فقد اكتسبت مساحات كبيرة على مستوى تصاعد نفوذها الاقتصادى.

2015 كان باليقين عام العودة الروسية للشرق الأوسط وتدخلها العسكرى ضد داعش وضد فصائل مختلفة من المعارضة السورية المسلحة، قد جعلها رقما أساسيا فى معادلة التسوية القادمة للملف السورى.

بالمقابل، يمكن القول إن المشاريع الأمريكية فى الشرق الأوسط قد تراجعت دون أن تختفى، فقد اتضح خطأ التقديرات الأمريكية فى التعامل مع النظام السورى، وأيضا فشلها فى الضغط على إسرائيل، من أجل الدخول فى تسوية سلمية عادلة للقضية الفلسطينية، مستندة إلى قرارات الشرعية الدولية، وكذلك سلبيتها الشديدة تجاه ما يجرى فى ليبيا، فى حين أنها حرصت على التدخل العسكرى فى العراق وسوريا، وكثفت من غاراتها الجوية ضد تنظيم داعش، فى حين بقيت متفرجة على نفس التنظيم فى ليبيا.

والمؤكد أن أمريكا تدخلت فى العراق، لأن لديها أجندة سياسية فى دعم مَن يحكم، وكذلك سوريا، لأن لديها أجندة أخرى تقوم على الإطاحة بنظام بشار وتفكيك دولته، أما ليبيا فهى لا تضمن ولاء الجيش الوطنى الليبى، فحاصرته ومنعت عنه السلاح، رغم أن معركته- مثل سوريا والعراق- ضد التنظيم الإرهابى، فى مفارقة صادمة.

القوى الإقليمية تغيرت أوزانها النسبية، فتركيا- التى كانت جزءاً من المنظومة الدولية، وركناً أصيلاً فى حلف «ناتو»- نُظر إليها باعتبارها محل اتهام، فارتاب فيها حلفاؤها، ولم يفهموا دوافعها فى إسقاط الطائرة الروسية، ولا تواطؤ حكومة أردوغان مع داعش، ولا فى تحول نظرية رئيس وزرائها أحمد داوود أوغلو من «صفر مشاكل» إلى مائة مشكلة مع الجيران، فهناك مشكلة (مفهومة) مع النظام السورى، ولكن هناك دعما لفصائل مسلحة إرهابية، وتواطؤا مع فصائل إرهابية أخرى، وهناك توتر علنى مع العراق، دفع الجامعة العربية إلى اجتماع طارئ، لإدانة تدخلها، وهناك صراع مفتوح مع مصر، وتَبَنٍّ أردوغانى كامل للرواية الإخوانية، وبقى التحول اللافت فى علاقتها مع إسرائيل، والتى انتقلت من حالة التوتر إلى مرحلة التسوية والتطبيع وحل المشاكل العالقة، فى مفارقة تحتاج إلى تأمل أيضا.

أما إيران فقد شهدت تحولاً فى وضعها الدولى، عقب توقيعها هذا العام على اتفاق مع الدول الست الكبرى، بخصوص الرقابة على ملفها النووى، وأوضحت للعالم أن هناك وجها آخر- غير دعم الميليشيات الطائفية والخطاب الثورى- يمكن أن تقدمه للعالم، قائما على المهنية وقبول التفاوض، الذى جُرِّم لسنوات فى القاموس السياسى الإيرانى، وهناك فاعلية نموذجها الداخلى وقابليته للتطور والتفاعل مع المنظومة العالمية.

والحقيقة أن إيران أمامها فرصة تاريخية، عقب هذا الاتفاق، لتكون لاعبا إقليميا يؤثر ويتأثر بالمنظومة العالمية، وهو بالحتم تحول كبير، وتأثيره أكبر من تأثير الاتفاق النووى نفسه، لأنه سيعنى من الناحية العملية فتح الباب أمام المجتمع الدولى للتأثير فى النظام الإيرانى، من خلال التفاعل السياسى والاقتصادى والثقافى ودفعه عمليا نحو الاعتدال.


أما القوة الإقليمية الثالثة- وهى مصر- فقد ظلت أسيرة خطاب: «نحمد الله، فقد تخلصنا من خطر الإخوان»، صحيح أنها حافظت على دولتها الوطنية ومؤسساتها ونجت من مصائر سوداء عرفها كثير من دول المنطقة، إلا أنها تراجعت بصورة كبيرة فى ملف الحريات العامة، وعجزت عن تحقيق أى إنجاز يُذكر فى مجال التنمية السياسية، وحتى الطريقة التى تعاملت بها مع ملف التنمية الاقتصادية مازالت محل جدل، وغابت عن كثير من مشاريعها الاقتصادية الكبرى الشفافية ودراسات الجدوى المطلوبة.

أعتقد أن 2016 مرشح أن يكون عام الحسم فى مصائر بلاد كثيرة، فالملف السورى سيتحرك سياسيا بشكل واضح هذا العام، وما تبقى من الدولة والجيش السورى قادر- بدعم غربى وإقليمى- على فرز بديل لقيادة المرحلة الانتقالية غير بشار الأسد، وتركيا قد تسوء أوضاعها أكثر، أو تبقى كما هى، وإيران قد تبقى كما هى، أو قد تتحسن أحوالها ويتم البدء فى عملية دمجها داخل المنظومة العالمية، أما مصر فستكون 2016 سنة صعبة، لأن البلاد ستصبح مُعَرَّضة لهزات كبيرة، فى ظل سطوة غير مسبوقة للأجهزة الأمنية، وتزايد مخاطر «الصراعات المخفية» بين أطراف كثيرة داخل الدولة، وخطر الفوضى الجزئية والاحتجاجات وتزايد العنف، وأداء 2015 سنرى حصاده فى 2016.

حفظ الله مصر من سوء الأداء، ومن المؤامرات الداخلية أولاً.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عام جديد عام جديد



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 08:36 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

تركيا تشن حرباً اقتصادية من أجل الاستقلال!

GMT 08:33 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيران: تصدير النفط أم الثورة؟

GMT 08:30 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

براً وبحراً والجسر بينهما

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 14:16 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج القوس الخميس29-10-2020

GMT 16:15 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

النزاعات والخلافات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 16:45 2019 الخميس ,04 إبريل / نيسان

أبرز الأحداث اليوميّة عن شهر أيار/مايو 2018:

GMT 17:32 2019 السبت ,30 آذار/ مارس

آمال وحظوظ وآفاق جديدة في الطريق إليك

GMT 18:26 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الميزان الإثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 18:11 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر بيوم مناسب لك ويتناغم مع طموحاتك

GMT 10:44 2013 الثلاثاء ,09 إبريل / نيسان

شرش الزلّوع منشط جنسي يغني عن الفياغرا

GMT 14:55 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

يحذرك من ارتكاب الأخطاء فقد تندم عليها فور حصولها

GMT 18:34 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia