الأرض

الأرض

الأرض

 تونس اليوم -

الأرض

بقلم : عمرو الشوبكي

لكل مجتمع ثقافته الخاصة التى تميزه عن غيره من المجتمعات، حتى لو شاركها فى قيم واحدة مثل الديمقراطية والعدل وحقوق الإنسان، والمجتمع المصرى ارتبط جانب كبير من ثقافته بالأرض ليس فقط فى الموروث الشعبى لبلد تاريخه يمتد لآلاف السنين، يعيش معظم سكانه على ضفاف النيل من خلال ارتباطهم بالأرض والزراعة، إنما أيضا ظلت شرعية نظمه السياسية مرتبطة بقدرتها على حماية الأرض والحدود منذ مينا، موحد القطرين، حتى الآن.

وهو أمر اختلف تماما عن تعامل الشعب مع الأرض التى فتحتها الإمبراطورية المصرية فى الشام وأفريقيا والحجاز، فحين تخلى حكامها عنها لم يشعر المصريون بأنهم فقدوا جزءا أصيلا من أرضهم المقدسة.

والحقيقة أن جانبا كبيرا من شرعية النظم السياسية المصرية ارتبط بموقفها من الأرض، وتاريخها كله هو تاريخ نضال من أجل مواجهة المحتل والسيادة على الأرض، وظل تقييم حكامه قائما أساسا على حفاظهم على الأرض، فجمال عبدالناصر الذى غير خريطة المنطقة والعالم ونال شعبية غير مسبوقة فى تاريخ مصر والعالم العربى، لم ينس له الكثيرون ليس أساسا هزيمته فى 67 (كما أقر هو واعترف بها) إنما لأنه أساسا مسؤول عن ضياع الأرض فى سيناء، ولم يشفع له دوره فى حرب الاستنزاف ولا إرادته وجهوده من أجل التحرير واستعادة الأرض، وبقى ضياع «أرض سيناء» هو النقطة الأسوأ فى تاريخ عبدالناصر كله.

وحتى الرئيس السادات الذى استعاد الأرض من خلال مفاوضات سلام مضنية مع الجانب الإسرائيلى، ومع ذلك ظل هناك تيار واسع من المصريين يرى أن عودة هذه الأرض كانت منقوصة السيادة.

والحقيقة أن الصراخ الذى دار مؤخرا حول جزيرتى تيران وصنافير يتحمل مسؤوليته الحكم فى مصر نتيجة هذا الإخراج السيئ والتوقيت الأسوأ الذى خرجت فيه الحكومة بإعلان ترسيم الحدود مع السعودية، فى نهاية زيارة خادم الحرمين الشريفين لمصر، وإعلانه عن تقديم دعم مالى واقتصادى حتى بدا الأمر وكأنه المقابل لتسليم الجزيرتين.

ومنذ هذا الإعلان تراجع تأثير رأى الخبراء فى هذا الموضوع، وصُنفوا فوراً على أنهم إما رجال سلطة أو مدفوعين منها للقول بأن الجزر ليست مصرية، أو أنهم رجال معارضة محرضون هدفهم ليس الجزر إنما إسقاط الرئيس وتصفية حساباتهم مع النظام الحاكم.

ولأول مرة يتعامل الحكم فى مصر مع قضية الأرض بهذا القدر من الاستخفاف والاستهانة بالشعب، وحتى بحرفية التفاوض وطريقة إخراجه حتى استقر فى وجدان الكثيرين أنه تنازل عن أرض مصرية بكل ما ترتب على ذلك من تداعيات خطيرة داخليا وإقليميا.

قد تكون الجزيرتان سعوديتين، وقد تكونان (على الأرجح) مصريتين، ولكن طالما أدخل الحكم حوار الخبراء حول الجزيرتين كمادة جديدة أشعلت الاستقطاب السياسى فلن يستقبل الرأى العام آراء الخبراء بالحيادية المطلوبة إنما سيصنفها سياسيا بعيدا عن أى موضوعية لها علاقة بالحقائق التاريخية.

يقيناً ما جرى خطيئة سياسية كبرى، والتعامل مع قضية الأرض باعتبارها قرارا رئاسيا، وإخراجه بهذه الطريقة فى هذا التوقيت أضر بصورة الرئيس والنظام الحاكم ضررا بالغا، والمطلوب هو تأجيل تسليم الجزيرتين لحين بحث الأمر تاريخيا وقانونيا وسياسيا حتى يستقر ضمير أغلب المصريين على أن هذه الأرض ليست لهم فيتنازلوا عنها كما فعلوا مع أراضى الغير حين كانت تسيطر عليها الإمبراطورية المصرية، أو أنها جزء من أرضهم، أى جزء من الشرف والعرض والكرامة الذى لا يقدر بأموال الدنيا، كما استقر فى ضمير عموم المصريين، فتبقى إلى الأبد جزءاً من السيادة المصرية.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الأرض الأرض



GMT 05:19 2019 الجمعة ,22 آذار/ مارس

النصوص لا تصنع الإرهاب

GMT 05:33 2019 الخميس ,14 آذار/ مارس

الجزائر على طريق النجاح

GMT 08:31 2019 الخميس ,28 شباط / فبراير

هل نحتاج لمزيد من كليات الطب؟

GMT 04:38 2019 الأحد ,24 شباط / فبراير

مجلس الشورى

GMT 05:02 2019 الثلاثاء ,05 شباط / فبراير

جولات السترات الصفراء

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 19:19 2019 الثلاثاء ,25 حزيران / يونيو

مراهق فلبيني يدخل فرّامة كفتة لتنتهي حياته

GMT 20:36 2021 الثلاثاء ,19 كانون الثاني / يناير

أفضل أنواع وتصميمات الأحذية الرياضية وطرق العناية بهما

GMT 05:00 2021 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

مجلس الشيوخ الأميركي يقر تعيين أول مسؤول في إدارة بايدن

GMT 05:13 2019 الثلاثاء ,05 شباط / فبراير

نظام غذاء سري لأكبر أنواع أسماك القرش في العالم

GMT 06:08 2021 الأحد ,31 كانون الثاني / يناير

مانشستر سيتي يعزز صدارته بفوز شاق على شيفيلد يونايتد

GMT 12:01 2018 الإثنين ,03 أيلول / سبتمبر

رونار وفكر الثوار

GMT 19:05 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يشير هذا اليوم إلى بعض الفرص المهنية الآتية إليك

GMT 10:09 2021 الجمعة ,02 إبريل / نيسان

Isuzu تتحدى تويوتا بسيارة مميزة أخرى

GMT 18:28 2017 الثلاثاء ,11 تموز / يوليو

مجلس الشعب السوري ينفي إصدار بطاقات هوية جديدة
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia