السيادة لمَن

السيادة لمَن؟

السيادة لمَن؟

 تونس اليوم -

السيادة لمَن

بقلم ــ عمرو الشوبكي

قديماً كنا نسمع أن السيادة للشعب، وكثيراً ما كنا نردد أن دولة القانون مقدمة لبناء الديمقراطية، وحتى فى ظل النظم غير الديمقراطية هى شرط لا بديل عنه لتحقيق أى تقدم أو إنجاز اقتصادى، فدولة القانون هى التى تضع القواعد والأسس التى تنظم علاقات البشر، وهى التى تضمن حقوق كل القوى الاجتماعية وتنظم صراعات المصالح، وتردع المخالفين والخارجين عن القانون، وستجدها فى نظم غير ديمقراطية (الصين) أو فى مجتمعات الرفاهة العربية، التى لا يوجد فيها من الأساس طلب شعبى على السياسة (الإمارات)، وحتى فى كوريا الشمالية الديكتاتورية المستبدة، فقاعدتها الصناعية والعسكرية حققتها بقواعد قانونية تنظمها، وتركت الأمور السياسية للزعيم الواحد والحزب الواحد (فيها أيضا حزب سياسى حاكم ولو شمولى).

والواقع أن ما جرى فى نهايات عهد مبارك واستمر معنا حتى الآن تمثل فى عدم احترام القوانين والقواعد التى وضعها النظام لنفسه على عكس ما جرى فى فترة عبدالناصر غير الديمقراطية، فالخطوط الحمراء كانت واضحة، والنظام كان من القوة ليعتبر أن كل الخارجين عن تنظيمه السياسى الواحد هم معادون للثورة والوطن من شيوعيين وليبراليين وإخوان، أما مَن دخلوا تنظيماته السياسية من اتحاد اشتراكى وتنظيم طليعى ومنظمة الشباب، فهؤلاء سُمح لهم بالنقاش العام وحتى النقد مثلما فعل شباب منظمة الشباب بعد هزيمة 67.

مَن دخل الاتحاد الاشتراكى فى عهد عبدالناصر كان آمناً، ومَن دخل الحزب الوطنى فى عهد السادات ومبارك فهو آمن، أما الآن فمَن هم الآمنون المحصنون؟

لا يوجد حاليا تنظيم سياسى حاكم (ربما ذلك أفضل فى ظل الأوضاع الحالية)، إنما توجد مجموعات من الهتيفة والشتامين استباحوا المجتمع والناس وسُمح لهم بأن يقولوا أى شىء دون أن يمسهم أو يحاسبهم أحد مادامت اقتصرت شتائمهم على الشعب وليس المؤسسات المحصنة.

والحقيقة أنى كتبت مرات عديدة عن هذه الظاهرة حتى وجدتها مؤخرا أمامى، وحتى لا أخلط بين ما هو شخصى وما هو عام، فكتبت فى 17 فبراير من هذا العام عن هذه النوعية، متسائلا: «مَن أطلقهم»؟ هل هم يتحركون بأوامر لتسميم المجال العام حتى تظل صورة النخبة السياسية أمام المجتمع هى نخبة المعارك التافهة والخناقات البذيئة، ويظل هناك احتياج دائم لمجموعات ضيقة جدا تحكم البلاد وتديرها بطريقتها الخاصة؟ أم أن الموضوع لا يعدو مجرد انعكاس للحالة العشوائية التى تعيشها مصر، متمثلة فى ضعف الأداء العام والسياسى؟

والحقيقة أن الواقع الحالى يقول إن هناك حالة غير مسبوقة من الانهيار فى لغة الحوار، بسبب التسيب وعدم تطبيق القانون وإهدار أحكام القضاء حتى أُخليت الساحة العامة من كل ما له علاقة بالعلم والكفاءة والمهنية لصالح أصحاب اللسان الطويل والعقل الصغير، وصارت فواصل الردح والشتائم هى قوت يومى للمصريين على يد مجموعة لا تتجاوز أصابع اليدين ممن حصنتهم الدولة وفق حسبة خطرة وضارة.

والواقع أن استباحة المجتمع (مقال المجتمع المستباح فى 24 أغسطس 2015) باتت مسألة خطيرة وتجاوزت كل حدود، وأذكر أنى علقت فى المجتمع المستباح على حوار نجم الأهلى، عبدالعزيز عبدالشافى، مع رئيس نادى الزمالك، وقلت: حتى لو كان هذا المواطن بنجومية وأخلاق وعقل لاعب كرة القدم السابق بالنادى الأهلى، مدرب الناشئين فيه، عبدالعزيز عبدالشافى، فستُسَب فى اليوم التالى وتُهان لأنك حتى لو كنت تنتمى لأكبر نادٍ مصرى وعربى وأفريقى فإن كل هذا لن يشفع لك لأنك لا تعمل فى جهة محصنة حتى تحاسب الشاتم، واسمك ليس من بين «الأربعة المحصنين»، وجرؤت على أن تجرى نقاشا محترما وراقيا، وأثبتَّ أن الشجاعة ليست بالصوت العالى والرجولة ليست بالسباب.

والحقيقة لا يمكن أن تتقدم أى دولة قبلت باستباحة مجتمعها، وقبلت أن يكون رموزها من المنافقين والطبالين والفاسدين، فلا يمكن أن تبنى جزيرة موازية للناس الطيبين ينجزون ويعملون فيها، وتترك الأشرار والفاسدين والشتامين يتسلون على الشعب المصرى: يخربون وعيه ويستبيحون قيمه، وننتظر بعد ذلك إنجازا حقيقيا.

تُرك توفيق عكاشة من خلال قناته التليفزيونية يشتم ويسب ويُخوِّن مئات المصريين غير المحصنين وغير السياديين على مدار أكثر من 3 سنوات دون أن يحاسبه أحد، وتُرك بكل أريحية، بل وربما بتحريض من قِبَل البعض، يشتم الجميع دون أن يوقفه أحد، ولو باتصال تليفونى من «جهة عليا» يحول دون تكرار هذه المهازل.

أُسقطت عضويته دون حكم قضائى فى ساعة زمن لأنه كان هناك قرار سيادى بإنهاء ظاهرته، فى حين لم ينفذ حتى الآن حكم قضائى بات ونهائى من أعلى سلطة قضائية فى مصر لأنه جاء فى صالح مواطن غير محصن ممن اعتبرتهم فى مقال سابق من أبناء البطة السوداء (البطة السوداء 2 يناير 2016).

قد تكون هناك قوانين وضعها الحكم لا نوافق عليها، ولكن لابد من احترامها من أجل تغييرها بالوسائل السلمية، فلن تتقدم مصر خطوة واحدة للأمام إلا بالعدل وتطبيق القوانين واحترام مؤسساتها وبرلمانها أحكام سلطتها القضائية.

ضعوا قاعدة قانونية، ولو خاطئة، وطبقوها، فربما يكون ذلك هو بداية الطريق لكى يتعود الجميع على احترام القوانين مهما كان رأيه فيها.

 

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

السيادة لمَن السيادة لمَن



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 08:36 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

تركيا تشن حرباً اقتصادية من أجل الاستقلال!

GMT 08:33 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيران: تصدير النفط أم الثورة؟

GMT 08:30 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

براً وبحراً والجسر بينهما

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 14:28 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

تشعر بالعزلة وتحتاج الى من يرفع من معنوياتك

GMT 09:45 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

20 عبارة مثيرة ليصبح زوجكِ مجنونًا بكِ

GMT 16:52 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تتيح أمامك بداية السنة اجواء ايجابية

GMT 15:26 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

يوم مميز للنقاشات والاتصالات والأعمال

GMT 07:09 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أمور إيجابية خلال هذا الشهر

GMT 16:36 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

النشاط والثقة يسيطران عليك خلال هذا الشهر

GMT 17:29 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحالفك الحظ في الايام الأولى من الشهر
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia