رياح «يناير»

رياح «يناير»

رياح «يناير»

 تونس اليوم -

رياح «يناير»

بقلم : عمرو الشوبكي

لم تحقق ثورة يناير أهدافها، وربما تكون قد تعثرت، ولكنها بلاشك أثرت فى المجتمع المصرى، وحركت مياهاً راكدة كثيرة، وجعلت المجتمع (رغم كل أزماته) رقما فى معادلة السياسة والحكم، رغم كل محاولات إزاحته من دائرة الحكم والتأثير فى صنع القرار.

قوة «يناير» وعظمتها أنها لأول مرة منذ تأسيس الدولة الوطنية الحديثة على يد محمد على (1805)، يتم تغيير رأس السلطة بإرادة الشعب وليس من أعلى عن طريق «انقلابات القصور»، فمبارك تنحى عن السلطة بفعل إرادة شعبية، وهذا متغير جديد لم يعْتَدْه المصريون ولم يعرفوه لأكثر من قرنين من الزمان.

قوة «يناير» فى تغيير معادلة الحكم، حتى لو عادت الأمور لوضع شبيه بما كان عليه الحال قبلها، وحتى لو شوهت الملايين التى نزلت فى الشوارع وهى تعرف أن الشرطة ضدها ولا تعرف موقف الجيش، ومع ذلك نزلت بالملايين من أجل نَيْل حريتها وكرامتها الإنسانية.

صحيح أن «يناير» تعثرت لأسباب لها علاقة بطبيعتها ورواج نظريات خاطئة عنها، مثل أن أعظم شىء فى «يناير» أنها كانت بلا قيادة، والحقيقة أن ذلك كان من أكبر عيوبها، فقد استمرت فى الاحتجاج والرفض دون أن تمتلك أى قدرة على بناء أى بديل، وجرَّمت التفاوض مع النظام القديم، رغم أنه النهاية الطبيعية لحل أى صراع مجتمعى أو دولى، وتحولت على مدار عامين- وبعد أن انصرفت الملايين التى شاركت فيها- إلى صوت احتجاجى خصم من رصيدها، وجعل أغلب الناس فى انتظار البديل المنقذ من الفوضى، أى رجل الدولة والنظام العام، فكان السيسى هو مَن عبر عن هذا التيار الواسع.

«يناير» أخطأت لأنها لم تعرف بالضبط أين قوتها وحدود طاقتها، التى بالتأكيد وقفت عند حدود إصلاح النظام القديم بتنحى مبارك وإجهاض مشروع التوريث والبدء فى عملية انتقال ديمقراطى، وهو تقريبا حال كل الانتفاضات الشعبية الكبرى والثورات الحديثة التى شهدها العالم فى نهايات القرن الماضى حين غيرت النظم القائمة وأصلحت مؤسسات الدولة، وفى أحيان كثيرة بتفاهمات داخلية وضغوط مجتمعية وليس ثورة.

هذا النموذج فى الحقيقة كان مناقضا لتجارب الثورات الشيوعية فى القرنين التاسع عشر والعشرين، فكانت جميعها ثورات لإسقاط النظم القائمة وتدمير الدولة، لأنها ببساطة حملت مشروعا أيديولوجيا بديلا يؤسس لدولة شيوعية مناقضة وتنظيم عقائدى فجر الثورة، كل ذلك غاب عن الثورة المصرية، ومع ذلك حاول البعض أن يحشرها قسرا بين هذه النماذج.

ومع سقوط الاتحاد السوفيتى ودول الكتلة الاشتراكية ومع العولمة وتزايد دور وسائل التواصل الاجتماعى، اختفى مفهوم الثورات التقليدية، وغاب عن كل تجارب التغيير التى شهدها العالم فى نصف القرن الأخير.

فتغيرت أوروبا الشرقية وأمريكا اللاتينية وكثير من الدول الأفريقية والآسيوية عبر نموذج يمكن وصفه بـ«الثورات الإصلاحية»، التى غيرت النظم القائمة وأصلحت مؤسسات الدولة ولم تُسقطها، بل اعتبرت أن سقوطها هو علامة فشل وليس مؤشر نجاح كما يتوهم البعض، وكانت الثورتان التونسية والمصرية معبرتين عن هذه المعانى فى تجارب ما اصطُلح على تسميته «الربيع العربى».

إن انسحاب غالبية الناس عقب تنحى مبارك فى 11 فبراير- ثقة فى جيشهم الوطنى الذى أدار المرحلة الانتقالية- كان اختيارا شعبيا حقيقيا، وإن مقولة بعض التيارات الثورية إنه لو كنا قد بقينا فى ميدان التحرير لكنا قد أسقطنا الدولة والمجلس العسكرى مقولة لا تعبر عن رأى غالبية الذين شاركوا فى الثورة، الذين تركوا الميادين عقب 11 فبراير، أى عقب تنحى مبارك.

ومع ذلك روح «يناير» ستظل باقية لأنها غيرت فى معادلات الحكم، رغم محاولات البعض طمس هذه الحقيقة، ورياحها ستعود، ولن تخفت لأن رسالتها السلمية والإصلاحية لم تحقق أهدافها بعد.

المصدر: المصري اليوم

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

رياح «يناير» رياح «يناير»



GMT 05:19 2019 الجمعة ,22 آذار/ مارس

النصوص لا تصنع الإرهاب

GMT 05:33 2019 الخميس ,14 آذار/ مارس

الجزائر على طريق النجاح

GMT 08:31 2019 الخميس ,28 شباط / فبراير

هل نحتاج لمزيد من كليات الطب؟

GMT 04:38 2019 الأحد ,24 شباط / فبراير

مجلس الشورى

GMT 05:02 2019 الثلاثاء ,05 شباط / فبراير

جولات السترات الصفراء

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 14:16 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج القوس الخميس29-10-2020

GMT 16:15 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

النزاعات والخلافات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 16:45 2019 الخميس ,04 إبريل / نيسان

أبرز الأحداث اليوميّة عن شهر أيار/مايو 2018:

GMT 17:32 2019 السبت ,30 آذار/ مارس

آمال وحظوظ وآفاق جديدة في الطريق إليك

GMT 18:26 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الميزان الإثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 18:11 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر بيوم مناسب لك ويتناغم مع طموحاتك

GMT 10:44 2013 الثلاثاء ,09 إبريل / نيسان

شرش الزلّوع منشط جنسي يغني عن الفياغرا

GMT 14:55 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

يحذرك من ارتكاب الأخطاء فقد تندم عليها فور حصولها

GMT 18:34 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia