القائد المحارب

القائد المحارب

القائد المحارب

 تونس اليوم -

القائد المحارب

بقلم : عمرو الشوبكي

مثّل انتصار أكتوبر نقطة تحول كبرى فى التاريخ العربى المعاصر، ونقطة مضيئة فى ذاكرة مصر السياسية والعسكرية حين تدفقت المشاعر الوطنية لشعب بأكمله وهو يشاهد عبور جيشه قناة السويس وتحطيمه خط بارليف وتحقيقه انتصارا طال انتظاره.

نصر أكتوبر رسالة ومعانى أرساها جيل من «القادة المحاربين» الذين شاهدناهم وتأثرنا بهم لأنهم عرفونا معانى النبل والتضحية والعطاء، فهذا الجيل الذى حارب من أجل وطنه ونال الشهادة أو كُتب له النجاة وعاد لأهله سالما غانما سيظل الأعظم فى تاريخ العسكرية المصرية الحديثة.

جيل القادة المحاربين ضم كل قائد وجندى ذهب إلى ميدان القتال وحارب بمشاعر وطنية خالصة عدوا احتل أرضه وأرض أشقائه، فلم يذهب مضطرا ولا متضررا، إنما ذهب لأداء واجب الدفاع عن الأرض والعرض، ليظهر معدن ومعنى القائد المحارب.

شخصية القائد المحارب وبناؤه النفسى والعقائدى فريدة، خاصة أنها حلت مكان قادة الهزيمة الذين انشغلوا بالسياسة والاقتصاد وأسسوا دولة موازية لدولة عبدالناصر الشعبية كانت هى المسؤول الأول عن هزيمة 67.

قادة مصر المحاربون كثر وكانوا وساما على صدر هذا الوطن، فهناك من تركوا بصمة علم وبناء فى تاريخنا الوطنى والعسكرى، مثل الفريق الراحل محمد فوزى، وزير الحربية الأسبق، الذى من خلال كتابه العظيم حرب الثلاث سنوات (من أوائل الكتب المؤثرة التى قرأتها أثناء دراستى الجامعية) شكل وعى جيل كامل عن بطولات الجيش المصرى أثناء حرب الاستنزاف، وهناك أسماء أخرى مثل الشهيد البطل عبدالمنعم رياض، الذى استشهد وسط جنوده على الجبهة عقب تعيينه رئيسا لأركان الجيش المصرى فى 11 يونيو 1967، بعد أكبر عملية تغيير وتطهير عرفها الجيش فى تاريخه المعاصر، حين تم إقصاء كل القادة المسؤولين عن الهزيمة، وحقق القائد المحارب عبدالمنعم رياض انتصارات عسكرية فى المعارك التى خاضها خلال حرب الاستنزاف، مثل معركة رأس العش التى منعت فيها قوة صغيرة من المشاة سيطرة القوات الإسرائيلية على مدينة بورفؤاد، وتدمير المدمرة الإسرائيلية إيلات وإسقاط عدد من الطائرات الحربية الإسرائيلية خلال عامى 1967 و1968، إلى أن جاء عام 1969، وجرت اشتباكات عنيفة بين القوات المصرية والإسرائيلية، وأصر الفريق عبدالمنعم رياض على زيارة الجبهة ليقود المعارك بنفسه ضد العدو، حتى أصابته نيرانه واستشهد فى جبهة القتال.

قادة مصر المحاربون لايزالون كثراً، فوزيرهم الراحل العظيم الفريق أحمد إسماعيل على، وزير حربية نصر أكتوبر، وأيضا رئيس أركان الجيش المصرى فى نصر أكتوبر الفريق سعد الدين الشاذلى، الذى يعد واحدا من أهم الشخصيات العسكرية فى تاريخ العرب، والذى قال فى مذكراته: لم يحدث قط أن اشتكى لى أحد الضباط أو الجنود من الحياة الشاقة التى يعيشونها لأنهم كانوا يرون بأعينهم كيف أعيش وكيف أشاركهم حياتهم.

وهناك المشير عبدالغنى الجمسى بمهنيته ونزاهته ودوره الكبير فى حرب أكتوبر، وأيضا المشير عبدالحليم أبوغزالة صاحب الرؤية الاستراتيجية العميقة، والذى وصفته عقب وفاته فى عهد مبارك «قدر مصر الذى لم يأت».

حين تكون قائدا ومحاربا فإن هذا يعنى أنك تهتم بالجوهر لا الشكل، ويعنى أيضا أن حياتك ترهنها بطيب خاطر للدفاع عن وطنك وشعبك، وتقوم بعملك الذى أقسمت على القيام به، فلا تحارب معارك جانبية، ولا تتورط فى دهاليز السياسة ولا مغريات الاقتصاد لأنك فى الحقيقة واجهت عدوا قويا مدججا بالسلاح، ويمتلك واحدا من أقوى جيوش العالم وواحدا من أهم أجهزة المخابرات دهاء وقسوة، فحين يدخل القائد المحارب فى نزال عسكرى مع عدو بوزن إسرائيل فإنها ستفرض عليه مراجعة أخطائه لا إخفاءها، لأن نفسية القائد المحارب تعترف بالخطأ وتعمل على تصحيحه دون كبر لأن الثمن سيكون هزيمة فورية فى الميدان.

إن تفسير جانب من سلوك مبارك عشية تنحيه عن السلطة حفاظا على دماء المصريين، وعدم هروبه خارج الحدود، وبقائه فى بلده، أنه كان قائدا حارب من أجل هذا البلد.

سيبقى قادة مصر المحاربون وجنودها هم أنبل ما فى هذا الوطن، لأنهم لم يبحثوا عن جائزة ولم يطلبوا ميزة أو حصانة عسكرية خاصة، لأنهم جيل القادة المحاربين الذين قاتلوا دفاعا عن تراب هذا البلد فى صمت، وسيظل الشعب المصرى يذكرهم حتى لو نسيهم البعض.

سيبقى خالدا مشهد الراحل الكبير عاطف الطيب فى فيلم سواق الأتوبيس حين صور فى صمت الليل وتحت سفح الهرم حديثا بين عدد من محاربى نصر أكتوبر الذين دفعوا الثمن من عمرهم وأرواحهم واستفاد غيرهم.

بفضل كل المحاربين عادت الأرض وأعيد فتح قناة السويس وازدهرت السياحة فى سيناء وعادت الروح لجيل كامل شعر بمرارة الهزيمة وتعرض للانكسار عقب 67، وعاش العزة والانتماء بعد النصر.

الطريق لنصر أكتوبر بدأ بإعادة بناء الجيش على أسس مهنية منضبطة، فكان له قادة محاربون صنعوا بطولات وقدموا نماذج للتضحية والفداء فى مواجهة عدو قوى ومدعوم من كل القوى الكبرى.

رحم الله شهداء حرب أكتوبر الذين سقطوا فى صمت، وتحية لكل من شارك فى نصر أكتوبر، وكل من دعم من قاتلوا بقلبه حتى لو كان ذلك أضعف الإيمان، فلولا هذا الدعم الشعبى الهائل لما انتصر الجيش، ولما رفع قادته المحاربون راية الفخر لكل مصرى وعربى.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

القائد المحارب القائد المحارب



GMT 05:19 2019 الجمعة ,22 آذار/ مارس

النصوص لا تصنع الإرهاب

GMT 05:33 2019 الخميس ,14 آذار/ مارس

الجزائر على طريق النجاح

GMT 08:31 2019 الخميس ,28 شباط / فبراير

هل نحتاج لمزيد من كليات الطب؟

GMT 04:38 2019 الأحد ,24 شباط / فبراير

مجلس الشورى

GMT 05:02 2019 الثلاثاء ,05 شباط / فبراير

جولات السترات الصفراء

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 18:47 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الدلو الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 18:38 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج القوس الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 14:13 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج العقرب الخميس 29 -10 -2020

GMT 14:08 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج العذراء الخميس 29-10-2020

GMT 15:33 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

يبشّر هذا اليوم بفترة مليئة بالمستجدات

GMT 18:18 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الأسد الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 16:31 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

فرص جيدة واحتفالات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 18:23 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر مع تنافر بين مركور وأورانوس
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia