حراس التخلف

حراس التخلف

حراس التخلف

 تونس اليوم -

حراس التخلف

بقلم : عمرو الشوبكي

لماذا هناك مجتمعات متخلفة وأخرى متقدمة؟ سؤال احتار العلماء والسياسيون فى الإجابة عنه، وإن تنوعت الآراء والأسباب، فهناك مَن قال إن المشكلة فى الجهل وانعدام الثقافة، وقسَّم الشعوب على ضوء أعراقها ودياناتها، فاعتبر أن هناك الثقافات «البيضاء الراقية»، وهناك الأعراق «السمراء المتخلفة»، وهناك مَن أوصل بوضوح تخلف بعض الشعوب إلى جيناتها الوراثية، فى حين حمّل البعض الآخر الاستعمار مسؤولية التخلف فى كل بلاد العالم الثالث نتيجة الاستغلال السياسى والنهب الاقتصادى، باعتباره هو مَن فرض التخلف على كل الشعوب التى احتلها.

ومع طى صفحة الاستعمار وتحرر شعوب العالم الثالث، انتقلت معادلة تفسير التخلف من الاستعمار إلى ثنائية النظام السياسى والشعب، واختلفت الآراء مرة أخرى، وحمّل البعض الشعب مسؤولية التخلف نتيجة الأمية والفقر والجهل، وحمّل البعض الآخر النظام القائم مسؤولية هذا التخلف باستبداده وسوء سياسته.

والحقيقة أن حراس التخلف خليط من المجتمع والنظم الحاكمة، فهناك من التجمعات والمؤسسات والقوى والأفراد مَن يحرصون كل الحرص على نشر التخلف والجهل، وليسوا كلهم من النظام الحاكم، ولا أجهزته المسيطرة (حتى لو تحملوا المسؤولية الكبرى فى بقاء التخلف)، إنما أيضا هو نتاج أفكار جاهلة وعشوائية سائدة.

حراس التخلف هم مَن أقالوا عقولهم وامتنعوا عن تشغيلها ومسحوها، وأطلقوا العنان لغرائزهم البدائية، وهؤلاء ليسوا بالضرورة ضحايا الفقر والجهل حين اعتبروا الكلام الفارغ نظريات سياسية عظيمة وترديد الخرافات إنقاذا لمصر من المؤامرات الدولية.

فى مصر عرفنا مؤيدين دافعوا عن عبدالناصر وتبنوا فكره الاشتراكى ورددوا كلامه فى العداء للاستعمار والدفاع عن خطاب التحرر الوطنى، وفى عهد السادات عرفنا مؤيدين يدافعون عن السلام مع إسرائيل من أجل تنمية مصر ورخائها، وفى عهد مبارك عرفنا أيضا مؤيدين للاستقرار ومستفيدين من طبقة رجال الأعمال وأعضاء فى الحزب الحاكم، ولم يشعر كثير من المعارضين بالإقصاء والتهميش على مدار أكثر من ربع قرن إلا عقب سيطرة شلة التوريث على مقاليد الأمور.

لقد عرفت مصر على مدار تاريخها مؤيدين ومبررين لأى سلطة، ولكنهم قالوا كلاما طبيعيا فيه مبررات منطقية كانت عادة محل خلاف، على عكس الآن حين وجدنا تراجعا مذهلا فى حجم المؤيدين الطبيعيين، الذين اعتدنا عليهم طوال تاريخ مصر المعاصر، لصالح صعود نماذج مسخ، من أصحاب العقول الممسوحة، تردد كلاما فارغا وأكاذيب مضحكة، حلّت مكان اللغة السياسية التى عرفناها اتفاقا واختلافا.

مازال حراس التخلف يصولون ويجولون على مواقع مشبوهة، ويكررون كلاما فارغا ومُخزِيا لا يقوله عاقل واحد فى أجهزة الحكم، لكن المؤسف أنه مسموح بترويجه مادام المتلقى هو الشعب، فهو «يدوب» عليه يسمع هذا الكلام، والمطلوب أن يغوص فيه ويتعارك من أجله، حتى لو كان مجرد هراء وأكاذيب، أما الأمور الجادة والمعلومات الجادة (سرية على الشعب طبعا) فهى تُترك لأهل الحكم يديرونها بمعرفتهم.

هل يمكن أن نقبل أن يردد البعض الرواية البلهاء بأننا أسرنا قائد الأسطول السادس الأمريكى، وينسى أو يتناسى أن بطولات الجيش المصرى فى حرب الاستنزاف وانتصار 73 وغيرهما لا تحتاج إلى هذا الكلام الفارغ، هل من المنطق أن تغزو عقول البعض رواية اكتشاف رجال القوات المسلحة 600 مليار دولار فى جبل الحلال بسيناء، وعن رجال المخابرات البريطانية الذين أُلقى القبض عليهم هناك، وكيف جاء وزير خارجيتهم للإفراج عنهم، وكذلك فعلت المستشارة الألمانية «ميركل»، أثناء زيارتها مصر، منذ عدة أشهر؟!

كما ردد حراس التخلف رواية أخرى تقول- عشية زيارة الرئيس السيسى الأخيرة للمملكة العربية السعودية- إن هناك صفقة إنقاذ حكم الملك سلمان فى السعودية، بعد اكتشاف الأجهزة المصرية مؤامرة دنيئة لقلب نظام الحكم هناك، وإن السعودية- لترضية مصر- قررت ضخ استثمارات بقيمة 27 مليار دولار، ومنحة 10 مليارات دولار، وبناء قاعدة عسكرية مصرية فى جزيرة الفرسان السعودية جنوب البحر الأحمر لحماية مدخل البحر الأحمر ومضيق باب المندب!!!.

هل يُعقل أن نجد هوجة فجائية على مواقع تتمسح فى الجيش والرئيس تتحدث عن كذبة أخرى تقول- فى عز التنسيق الأمنى بين مصر وحماس- إن الطائرات المصرية تضرب عمق غزة، وهو أمر لم يفعله إلا جيش آخر دولة احتلال فى العالم، أى إسرائيل، هل يعى هؤلاء حجم الجهل والتخلف ومشاعر الكراهية التى ينشرونها حين يضعون جيشا كبيرا مثل الجيش المصرى له تقاليده العريقة فى وضع المعتدى على الشعب الفلسطينى، الذى يعانى من المحتل الإسرائيلى والإرهاب التكفيرى، وهل بعد ذلك سيكون مطلوبا دك حى قاهرى أو صعيدى (أو جزيرة)، لأنه خرج منه إرهابى أو اثنان، وهو نفس منطق نظم الخراب التى دمرت أوطانا وشعوبا فى العالم العربى؟!

حراس التخلف فى بعض الأحيان موجَّهون، وفى أحيان أخرى مخيَّرون، إلا أنهم فى كل الأحوال مسؤولون عن بث الخرافة فى المجتمع وتعميق الكراهية، وبدلا من الحديث عن انتصارات كثيرة حقيقية فى تاريخنا المعاصر، نتحدث عن أوهام وأكاذيب غاب عنها أى كلام جاد ونقاش عام شفاف يمثل أحد شروط التقدم.

المصدر : صحيفة المصري اليوم

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حراس التخلف حراس التخلف



GMT 05:19 2019 الجمعة ,22 آذار/ مارس

النصوص لا تصنع الإرهاب

GMT 05:33 2019 الخميس ,14 آذار/ مارس

الجزائر على طريق النجاح

GMT 08:31 2019 الخميس ,28 شباط / فبراير

هل نحتاج لمزيد من كليات الطب؟

GMT 04:38 2019 الأحد ,24 شباط / فبراير

مجلس الشورى

GMT 05:02 2019 الثلاثاء ,05 شباط / فبراير

جولات السترات الصفراء

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 17:04 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

أمامك فرص مهنية جديدة غير معلنة

GMT 15:20 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

قد تمهل لكنك لن تهمل

GMT 14:26 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الحوت الخميس29-10-2020

GMT 14:52 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

قد تتراجع المعنويات وتشعر بالتشاؤم

GMT 13:46 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الثور الخميس 29-10-2020

GMT 18:06 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

كن هادئاً وصبوراً لتصل في النهاية إلى ما تصبو إليه

GMT 18:37 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

أعد النظر في طريقة تعاطيك مع الزملاء في العمل

GMT 09:37 2020 السبت ,26 كانون الأول / ديسمبر

إليك وجهات سياحية رخيصة يمكن السفر إليها في بداية العام

GMT 12:22 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

تعاني من ظروف مخيّبة للآمال

GMT 22:42 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

هاني شاكر يشارك جمهوره أول أغنية له في 2021 "كيف بتنسى"
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia