لماذا تعثر الإصلاح من داخل النظام

لماذا تعثر الإصلاح من داخل النظام؟

لماذا تعثر الإصلاح من داخل النظام؟

 تونس اليوم -

لماذا تعثر الإصلاح من داخل النظام

بقلم : عمرو الشوبكي

سؤال الإصلاح من داخل النظام القائم هو سؤال مركب، وعادة ما طرحت فيه إجابات متعددة، فهناك من يعتبر أن من حاولوا الإصلاح من داخل النظام انتهازيون، جروا وراء مصالحهم الخاصة، وهناك من رأى العكس تماما، واعتبرهم كانوا حريصين على أن يتقدموا بالبلاد خطوات حقيقية للإمام، من خلال إصلاح النظام القائم بشكل تدريجى.

ويبقى، فى النهاية، التعثر الحقيقى الذى شهدته مصر، عقب ثورة يناير، وهو أنه «لا الثوار ولا المعارضون نجحوا فى بناء تنظيم سياسى قادر على الحكم أو الشراكة مع من فى الحكم، ولا الإصلاحيون الذين تواجدوا داخل الدولة والنظام الأسبق نجحوا فى توجيه البلاد نحو الإصلاح وتفادى الثورة».

ورغم أننى لم أكن عضوا فى الحزب الوطنى، بل كنت أحد معارضيه، فأى تجربة تغيير ناجحة كانت دائما تعبر عن توازن بين النظام القديم والجديد. وإن نظريات إسقاط النظام بالضربة القاضية، عن طريق استدعاء نظريات ثورية من متاحف التاريخ، تسقط نظما قديمة وتؤسس لأخرى جديدة- أمر اختفى من كل تجارب التغيير الناجحة، فى النصف قرن الماضى.

إن التغيير نتاج توازن قوى بين من طالبوا بالإصلاح، من خارج النظام ومن داخله. وإن المشروع أو «الزعيم الجسر» الذى يأتى عادة من داخل النظام القديم ليصلحه بضغوط الرأى العام وقوى إصلاحية عديدة خارجه- غاب عن التجربة المصرية، على عكس تجربة الباجى قائد السبسى، فى تونس (على مشاكلها وأزماتها الكثيرة) الذى مثّل جسرا حقيقيا للانتقال من النظام القديم إلى الجديد.

والحقيقة أن فرصة الإصلاح الآمن جاءت لمصر عقب ثورة يناير! وللأسف تعثرت لأسباب كثيرة، منها فشل الإصلاحيين الذين كانوا موجودين داخل نظام مبارك فى فصل توجهاتهم الإصلاحية عن مشروع التوريث، الذى أسفر عن واحدة من أسوأ الانتخابات التى شهدتها مصر فى تاريخها المعاصر فى 2010، والتى هندسها أحد أبرز مهندسى التوريث فى مصر، وتحول النظام السياسى إلى شلة توريث، عارضته أطراف أخرى داخل الدولة العميقة، وبخاصة المجلس العسكرى ومعه قطاع واسع من المصريين. والحقيقة أن الأطراف الثلاثة، الذين قادوا مشهد يناير كانوا، أولا، نظام مبارك الشائخ الذى ضم تيارين: الحرس القديم الذى بقى فى السلطة 30 عاما، وفقد أى رصيد شعبى واسع، باستثناء من كانوا من خلفية عسكرية (عمر سليمان وأحمد شفيق) وبعض الرموز المدنية الذين تركوا السلطة، مثل عمرو موسى، ومعها تيار إصلاحى مستقل داخل الحزب الوطنى (حسام بدراوى وآخرين)، والدولة المصرية، وهناك تيار التوريث الذى رفضه غالبية الشعب، وكان أحد أسباب الثورة، رغم أنه ضم كفاءات مهنية وعملية كثيرة.

أما الطرف الثانى، فتمثل فى ملايين الناس التى خرجت بعفوية وإصرار ونبل ضد حكم مبارك ورغبت فى بناء دولة ديمقراطية عادلة ويقيت، على مدار 18 يوما تقدم نموذجا نادرا فى الالتزام والسلمية والدفاع عن القيم المدنية الحديثة.

وأخيرا الطرف الثالث الذى تمثل فى المؤسسة العسكرية التى رفضت مشروع التوريث، وانحازت للمطالب الشعبية، وساهمت فى إقناع مبارك بضرورة التنحى عن السلطة، حقنا للدماء.

والحقيقة أن تعثر المسار الإصلاحى يرجع لفشل الأطراف الثلاثة فى وضع البلاد على المسار الصحيح، فنظام مبارك لم يعطِ الفرصة للقوى الإصلاحية داخله لتؤثر، بعيدا عن مشروع التوريث. وحين تحرك الرجل، فى الأيام الأخيرة من حكمه، وقدم إصلاحات حقيقية (ربما تكون الأهم فى تاريخ تطور النظام السياسى المصرى فى الأربعين عاما الأخيرة)، كان تحركه متأخرا، وضاعت الفرصة أيضا.

المدهش أن كل مسارات الإصلاح السياسى فى أوروبا الشرقية وأمريكا الجنوبية وكثير من البلاد الأفريقية والآسيوية كانت، إما نتاج ضغوط وانتفاضات شعبية، أو إصلاحات نخبوية من داخل النظام. وفى الحالتين لم يكن الخطاب الثورى الذى تبناه تيار واسع من ثوار يناير حاضرا فى كل تجارب النجاح.

فى نفس الوقت فإن اللافت للنظر أيضا أن تجارب النجاح، وعلى رأسها مثلا تجربتا إسبانيا والبرتغال اللتان شهدتا تحولا ديمقراطيا من داخل النظام، ودون حدوث أى ثورة (الأولى من خلال الرئيس فرانكوا، والثانية الجيش) أو تجارب أخرى فى أوروبا الشرقية- شهدت انتفاضات شعبية، فسنجد أيضا أن تيارا واسعا داخل السلطة استجاب لضغوط الناس، وقاد إصلاحات كثيرة.

هذا الوضع غاب تماما عن تجارب العالم العربى، فهم إما حكام من عينة القذافى وبشار الأسد (يموت الجميع، ويخرب الوطن، المهم البقاء فى الكرسى) غابت عنهم فكرة ترك السلطة لصالح آخرين من داخل الدولة والنظام، أو تجربتا مصر وتونس اللتان ترك فيهما رأس الدولة السلطة، ولكنهما تعثرا فى وضع البلاد على طريق إصلاحى، مثلما جرى فى تجارب النجاح.

نعم، مسار الإصلاح ودولة القانون، الذى عرفته كل تجارب التغيير فى نصف القرن الأخير- كان نتاج نقطة توازن بين القديم والجديد، ووجود تيار إصلاحى داخل النظام، مؤمن بالإصلاح ودولة القانون، ومنفتح على الإرادة الشعبية- كان حاضرا فى كل تجارب النجاح، فى حين أن تعثر التجربة المصرية يرجع إلى أن كثيرا ممن تحدثوا عن الإصلاح داخل نظام مبارك آمنوا أكثر بالتوريث، وأن من أداروا المرحلة الانتقالية تعثروا فى إدارتها، وأن الخطاب الثورى أهدى لأنصار العودة لما هو أسوأ من النظام القديم هدايا بالجملة.

نعم، تعثرت المحاولة الأولى للإصلاح، ولكنها لن تكون الأخيرة.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لماذا تعثر الإصلاح من داخل النظام لماذا تعثر الإصلاح من داخل النظام



GMT 05:19 2019 الجمعة ,22 آذار/ مارس

النصوص لا تصنع الإرهاب

GMT 05:33 2019 الخميس ,14 آذار/ مارس

الجزائر على طريق النجاح

GMT 08:31 2019 الخميس ,28 شباط / فبراير

هل نحتاج لمزيد من كليات الطب؟

GMT 04:38 2019 الأحد ,24 شباط / فبراير

مجلس الشورى

GMT 05:02 2019 الثلاثاء ,05 شباط / فبراير

جولات السترات الصفراء

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 14:16 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج القوس الخميس29-10-2020

GMT 16:15 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

النزاعات والخلافات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 16:45 2019 الخميس ,04 إبريل / نيسان

أبرز الأحداث اليوميّة عن شهر أيار/مايو 2018:

GMT 17:32 2019 السبت ,30 آذار/ مارس

آمال وحظوظ وآفاق جديدة في الطريق إليك

GMT 18:26 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الميزان الإثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 18:11 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر بيوم مناسب لك ويتناغم مع طموحاتك

GMT 10:44 2013 الثلاثاء ,09 إبريل / نيسان

شرش الزلّوع منشط جنسي يغني عن الفياغرا

GMT 14:55 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

يحذرك من ارتكاب الأخطاء فقد تندم عليها فور حصولها

GMT 18:34 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia