أين «إعلام العار»

أين «إعلام العار»؟

أين «إعلام العار»؟

 تونس اليوم -

أين «إعلام العار»

بقلم : عمرو الشوبكي

يدهشك البعض حين يحدثك عن إعلام العار، ويبدأ من الصباح إلى المساء فى سب الإعلاميين وكيل الاتهامات لهم، باعتبارهم يحرضون الناس ويؤلبون الرأى العام ضد الدولة والرئيس، دون أن يسأل نفسه مرة واحدة أين هو بالضبط هذا «الإعلام العار» إذا سلمنا بصحة هذا اللفظ فى بلد يرغب فى أن يكون طبيعيا (ولا نقول حتى ديمقراطيا أو متقدما) فلا يمكن أن يعيش دون إعلام حر أو فيه حد أدنى من الحرية والمهنية على السواء.

والسؤال فى الحقيقة: أين هو هذا الإعلام العار الذى فلقنا به البعض وتحدث عنه يوميا ونسى أو تناسى أن هذا الإعلام هو الابن الوفى للنظام الحالى الذى يؤيدونه ويدافعون عنه فى مواجهة «إعلام العار» فى مفارقة تبدو صادمة.

والحقيقة أن مشكلة البعض مع هذا النوع من الإعلام هى مشكلة وعى وتجهيل إذا افترضنا حسن النية، فى بلد مأزوم اقتصاديا وفيه انهيار فى التعليم، فيصبح التلقين وغسيل المخ قادرا على تشكيل «لا وعى» عند الكثيرين ويجعلهم عاجزين عن التفكير السوى.

أين إذن إعلام العار؟، الحقيقة أن إعلام العار هو هذه النوعية من الإعلاميين المؤيدين لأى نظام سياسى وهم المحصنون من أى حكم قضائى ويسافرون مع الرئيس فى كل مكان، وهم أيضا هؤلاء الإعلاميون الذين سمح لهم بتقديم برامج تكررت فيها جرائم جنائية مكتملة الأركان دون حسيب أو رقيب مهنى وليس أمنيا، فتلصصوا على هواتف الضيوف وأهانوا الشعب السورى الشقيق والعظيم رغم نكبته لكى يقولوا تحيا مصر، تماما مثلما أهان «رفاقهم» من نفس المدرسة أشقاءنا المغاربة، وهناك أيضا من نفس الفرقة من اتهم أبرياء تهما تتعلق بالشرف وأذاعوها على الهواء مباشرة باعتبارها نصرا إعلاميا وأدانهم القضاء على جريمتهم الشنعاء.

هل إعلامى البط الذى ترك لسنوات تحت الطلب يصول ويجول ليخون ويسب مصر كلها دون أى حساب وحين خرج عن الخطوط الحمراء ليس بسبب استبحاته للناس إنما لأنه مس أسماء ومؤسسات محصنة فأطيح به بقسوة دون أن يسأل المؤيدون المغيبون لماذا استبعد؟ ومن كان يحركه؟ وأى إعلام كان يمثل؟

ليس صدفة أن كل هؤلاء من «إعلاميى العار» هم من أشد المؤيدين والمطبلين للنظام الحالى، ولم تكلمهم الدولة مرة واحدة فى قواعد مهنية من أى نوع، لأنها ببساطة لا تريدها ولم تساهم فى وضعها على مدار أكثر من عام حين كانت سلطة التشريع فى يد الرئيس، لأن المطلوب أذرع إعلامية تطلق على المعارضين والمخالفين فى الرأى بأوامر عليا وتشغل الناس بتوافه الأمور وليس إعلاما مهنيا حرا تحكمه قواعد وقوانين ومؤسسات.

المدهش أن كل من يحدثونك عن إعلام العار من المؤيدين، ويشتكون من إعلام صنعه النظام الذى يؤيدونه، فهل هم بذلك يرفضون عن جهل الذراع الإعلامية ويؤيدون الجسم الذى صنعها (أى النظام) فى تناقض غريب من الصعب فهمه.

يقيناً هذه النوعية من المؤيدين المغيبين أبعد ما يكونون عن ثقافة الصحافة المكتوبة، ولا علاقة لهم- لا سمح الله- بقراءة الكتب ولا مقالات الرأى، ولم يسمعوا عن شىء اسمه مراكز الأبحاث ولا أى شىء له علاقة بالعلم والتنوير والتقدم، فهم يقينا نتاج الضحالة الفكرية والتجهيل غير المسبوق الذى جعلهم لا يميزون بين نقابة الصحافة والصحفيين، وبين من وصفوهم بإعلاميى العار وكانوا المصدر شبه الوحيد الذى استقوا منه «معلوماتهم» المجهلة وهلاوسهم التى وضعوها فى ثوب آراء.

أفهم تماما أن يختلف عقلاء المؤيدين (الناس الطبيعيون) مع توجهات بعض الصحفيين ومع توجهات بعض أعضاء مجلس نقابة الصحفيين لأن هؤلاء يعرفون معنى توجه سياسى، والفارق بين الثورى والإصلاحى، والإخوانى والمتدين وغيرها من البديهيات، أما الآخرون فهم فى الحقيقة نتاج الضحالة وحملات التجهيل المنظم التى صارت «كورس مكثف» على مدار عامين.

فى كل بلاد العالم المتقدم والمحترم (كما كنا فى بعض فتراتنا السابقة حين كنا نحترم العقل رغم غياب الديمقراطية) تناقش الناس ما تقوله الصحف الكبرى (وليس الإعلاميين الكبار أو الصغار)، مثل الواشنطن بوست أو نيويورك تايمز فى أمريكا، أو اللوموند فى فرنسا أو الجارديان فى بريطانيا أو الباييس فى إسبانيا، وغيرها من كبريات الصحف فى العالم، وليس ما يقوله الإعلامى س أو ص مهما علا شأنه، فالقضايا الكبرى تصنعها الصحافة والتأثير فى النخبة وصانع القرار تفعله الصحافة ومراكز الأبحاث إلا عندنا، فالحمد لله الأولى محاصرة من قبل الداخلية، والثانية لا يستمع لها أصلا أى صانع قرار.

ففواصل السب والقذف التى تحولت إلى حديث المدينة بدلا من النقاش العام حول قضايا تهم الناس، هى كلها أمور صنعتها أو شجعتها أو تواطأت معها أجهزة الحكم، ومع ذلك أصر أصحاب العقول الممسوحة أن يفصلوها عن مصدرها الذى نمت وترعرعت فيه.

فى مصر لا توجد قواعد مهنية تحكم عمل الإعلام مثلما لا تجود قواعد مهنية تحكم عمل الشرطة ولا المحاماة ولا الأطباء وقد يكون حال الإعلام أسوأ نتيجة للوضعية السياسية، فكل واحد يسير تقريبا حسب مزاجه أو سلوكه الشخصى وما رباه عليه أهله، أما دولة القانون التى قرأنا عنها فى الكتب فللأسف مؤجل الحديث عنها فى مصر.

قصة إعلام العار هى قصة وهمية مختلقة رددتها المواقع إياها التى تؤكد كل يوم لبعض البسطاء أن هناك مؤامرة كونية على مصر المأزومة العاجزة عن التحالف (بقواعد وبندية) أو معارضة (بقواعد أيضا مثلما فعلنا فى الماضى) الغرب، وتركنا الناس تسقط فى نظريات ما قبل استخدام العقل وما قبل الحفاظ على الفطرة البشرية حتى صار حديث البعض فى ذاته أمة ضحكت من جهلها الأمم.

 

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أين «إعلام العار» أين «إعلام العار»



GMT 09:34 2021 الجمعة ,15 تشرين الأول / أكتوبر

الخديو المبذر

GMT 16:26 2021 السبت ,25 أيلول / سبتمبر

الجميلة و «الحمارة الكبرى»

GMT 13:04 2021 الجمعة ,10 أيلول / سبتمبر

ثلاث مصريات من لبنان: البحر من ورائها

GMT 14:39 2021 الجمعة ,09 إبريل / نيسان

تَغيير الحَمَل... كل يوم

GMT 14:28 2021 الخميس ,08 إبريل / نيسان

ابنة الزمّار وحسناء الزمان

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 14:28 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

تشعر بالعزلة وتحتاج الى من يرفع من معنوياتك

GMT 09:45 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

20 عبارة مثيرة ليصبح زوجكِ مجنونًا بكِ

GMT 16:52 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تتيح أمامك بداية السنة اجواء ايجابية

GMT 15:26 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

يوم مميز للنقاشات والاتصالات والأعمال

GMT 07:09 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أمور إيجابية خلال هذا الشهر

GMT 16:36 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

النشاط والثقة يسيطران عليك خلال هذا الشهر

GMT 17:29 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحالفك الحظ في الايام الأولى من الشهر
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia