استحقاقات الديمقراطية

استحقاقات الديمقراطية

استحقاقات الديمقراطية

 تونس اليوم -

استحقاقات الديمقراطية

بقلم - عمرو الشوبكي

الديمقراطية ليست فقط خيار سلطة أو نظام حكم، إنما هى أيضا قدرة شعب ومجتمع ونخبة على تحمل تبعاتها ودفع ثمنها واستحقاقاتها.

والحقيقة أن واقع المجتمع المصرى ونخبته التى أفرزها يقول إنه فى حال غياب «القوة القهرية» التى تدير المشهد السياسى الحالى، فإن هناك صعوبات ولا نقول استحالة أن تتعايش القوى السياسية والمجتمعية وتنجح فى إدارة صراعاتها بشكل سلمى وديمقراطى.

هذه الإجابة لا تعنى قبول مقولة إن الشعب المصرى غير مهيأ للديمقراطية، لأن الديمقراطية لن تطبق فى مصر فى يوم وليلة، إنما ستأتى، كما تقول أدبيات علم السياسة، عقب عملية انتقال وتحول ديمقراطى تستمر لعقد أو عقدين من الزمان، وهو ما لاحت بشائرها عقب ثورة يناير، وسرعان ما فشلت نتيجة خطايا كل من أدار مشهد ما بعد يناير.

إذن سؤال استحقاق الديمقراطية هو سؤال يتعلق بالواقع الحالى المعيش ومدى وعى الأطراف السياسية بطبيعة أزماته والتحديات التى تقف أمامها إذا أرادت أن تأخذ مساحة جديدة فى صناعة مستقبل هذا البلد.

والحقيقة أن المشهد الحالى تشكل عقب فشل المجتمع المصرى بنخبته وأحزابه وسلطته الحاكمة فى وضع البلاد على مسار تحول ديمقراطى فى أعقاب ثورة يناير، وهو ما أعطى مادة حية ومبررا عمليا لسلطة 30 يونيو لكى تقول إن الشعب غير مهيأ لحكم نفسه بنفسه، أى للديمقراطية، وإن البدائل المدنية والحزبية هى العودة لخيارات الفوضى والانهيار.

ولنا أن نتصور لو رفعت السلطة أدوات القهر والإجبار وتركت التيارات السياسية والحزبية تحل صراعاتها بشكل ديمقراطى.. فماذا سنجد؟ سنجد فريقا إخوانيا يحمل مشاعر كراهية وثأر وانتقام من كل التيارات المدنية التى أيدت 30 يونيو، ولن يفرق معه أن أغلب الشعب كان مع هذه التيارات، لأن الشعب لا قيمة له طالما هو ليس جزءا من الجماعة.

إذن، كيف يمكن حل مشكلة كراهية قطاع من المجتمع لقطاع آخر، والانقسام العميق بين النخب السياسية والحزبية؟

وإذا قال البعض إنه ليس مطلوبا دمج الخطاب الإخوانى مرة أخرى فى العملية السياسية، لأنه أولاً يمثل أقلية، وثانياً أن الدول الديمقراطية لم تدمج الخطاب الفاشى والنازى فى العملية السياسية، وأن التنافس سيكون بين نخب وتيارات سياسية مدنية لا مكان فيها للتنظيم والخطاب الإخوانى.

وإذا قبلنا هذا الرأى وقلنا إن تنظيم الإخوان خارج المعادلة السياسية القانونية، وخطاب الإخوان سنستمر فى مواجهته فكريا وسياسيا، فإن هذا لن يحل مشاكل المجتمع الذى فشل فى أن ينظم نفسه فى نقابة أو اتحاد ملاك أو حزب سياسى أو جمعيات أهلية، كما أن الأحزاب المدنية فى حالة ضعف ووهن وتعانى من الانقسام، فالأحزاب المؤيدة من الصعب أصلا اعتبارها أحزابا، فهى ليس لها أى رصيد شعبى، وهى ملحقة بالأجهزة الأمنية وتنفذ الأوامر كما تملى عليها، أما الأحزاب المستقلة والمعارضة مثل الوفد والتجمع والاجتماعى الديمقراطى والتحالف الشعبى والكرامة فهى تعانى من ضعف كبير وغير قادرة على الاتفاق على مرشح رئاسى مدنى واحد قادر على المنافسة (لأسباب لا تخصها كلها)، كما أن النخب المدنية مازالت تدير خلافاتها على أساس شخصى كما هى العادة، أو حزبى يتعلق بتفاصيل برنامج كل تيار، ويغيب عنها تقييم دقيق لطبيعة اللحظة الحالية التى تم فيها من الأصل إقصاء المجتمع والأحزاب المدنية والسياسة، وأن التحدى الحقيقى يتكون من كلمتين: كيف يمكن جعل الشعب والمجتمع والنخب المدنية رقما فى أى معادلة سلطة جديدة؟ وأن التحدى ليس تطبيق الاشتراكية ولا الرأسمالية ولا كراهية «الفلول» والحزب الوطنى، وسب مبارك (رغم كل أخطائه هو قائد حارب من أجل هذا البلد، وأحد أبطال نصر أكتوبر)، إنما استعادة الشراكة بين «الشعب المدنى» وأجهزة الدولة، وفى القلب منها المؤسسة العسكرية.

تحدى مصر أن السلطة الحالية المعتمدة أساسا على دعم الجيش قدمت خطابا إقصائيا غير مسبوق فى تاريخ مصر المعاصر، فلا رجال الأعمال راضون ولا المهنيون راضون ولا العمال والفلاحون راضون، ولا الأثرياء ولا الفقراء، ولم يعد الناس يستمعون إلا لأصوات المطبلين والمغيبين والمستفيدين.

سيبقى هذا الإقصاء مستمرا، وستبقى مبررات سلطة الوصاية حاضرة وبقوة ولديها شرعية البقاء ولو بإخافة الناس من أى بديل مجهول، وستستفيد من شواهد فشل مدنية حقيقية بعيدا عن الحديث عن مسؤولية الأجهزة الأمنية فى تخريب الأحزاب، لأنها من الأصل تعانى من أزمات هيكلية لم تحلها بعد.

التغيير قادم فى مصر، ومعادلة الحكم الحالية لن تستمر طويلا، وإذا أراد الشعب والمجتمع بأحزابه وقياداته المدنية أن يشارك فى صنع مستقبله فعليه أن يقدم «أمارة» تدل على أنه بنى شيئا يحمل فى طياته بذور النجاح والقدرة على مشاركة أجهزة الدولة فى الحكم وإدارة شؤون البلاد.

إذا كان هناك من يقول لنا كل يوم إن الشعب فشل فى حكم نفسه بنفسه عقب ثورة يناير، وإنه غير مهيأ لبناء الديمقراطية، فإن من أيده أغلب المصريين عقب 30 يونيو لم ينجح أيضا حتى أصبح وضع مصر الاقتصادى صعبا وحرجا، وانقسامها السياسى أعمق وأخطر، وبالتالى أصبح الجميع شركاء فى عدم النجاح (حتى لا نقول الفشل)، وهو ما يتطلب لحظة صدق مع النفس، يراجع فيها الجميع كل الخطايا، ويقدّم مشروع للمستقبل قبل فوات الأوان.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

استحقاقات الديمقراطية استحقاقات الديمقراطية



GMT 13:18 2021 الإثنين ,30 آب / أغسطس

مسلسل المشروعات الوهمية لن يتوقف!

GMT 13:16 2021 الإثنين ,30 آب / أغسطس

حين يرجع العراق

GMT 13:13 2021 الإثنين ,30 آب / أغسطس

حروب الصحافيين

GMT 05:46 2017 السبت ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

المشتبه بهم المعتادون وأسلوب جديد

GMT 05:29 2017 الخميس ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

هل يستطيع الحريري؟!

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 00:00 2016 الخميس ,22 كانون الأول / ديسمبر

عليك النظر إلى المستقبل البعيد واختيار الأنسب لتطلعاتك

GMT 04:00 2018 الثلاثاء ,03 تموز / يوليو

مستقبل إردوغان

GMT 13:21 2021 الخميس ,22 إبريل / نيسان

عملاق صيني للطرق الوعرة سيظهر العام الجاري

GMT 11:08 2021 السبت ,05 حزيران / يونيو

شركة كيا تكشف عن النسخة الأحدث من طراز K5

GMT 12:43 2017 الأربعاء ,25 تشرين الأول / أكتوبر

وفاة شخص وإصابة 2 بتصادم 3 سيارات في دبي

GMT 06:02 2012 الإثنين ,31 كانون الأول / ديسمبر

اتفاق تعاون بين الأردن والكويت

GMT 12:58 2017 الإثنين ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

آلات قطر الإعلامية والدينية.. والتحريض على مصر وجيشها

GMT 07:04 2021 الجمعة ,29 تشرين الأول / أكتوبر

كثرة التنقل

GMT 10:23 2021 الأربعاء ,08 كانون الأول / ديسمبر

أفكار بسيطة لإضافة لمسة بوهيمية جذابة إلى منزلك

GMT 13:38 2013 الإثنين ,30 كانون الأول / ديسمبر

أسوأ إطلالات المشاهير لعام 2013
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia