لا تكرهوا البرلمان

لا تكرهوا البرلمان

لا تكرهوا البرلمان

 تونس اليوم -

لا تكرهوا البرلمان

عمرو الشوبكي

هناك بدايات توصل لنهايات معروفة، والبدايات مع الهجوم المبكر، الذى يتعرض له البرلمان قبل أن يبدأ بصورة تتجاوز حدود النقد المطلوب لأداء العديد من النواب وتاريخ بعضهم الأسود، والطريقة الفاسدة التى نجح بها بعضهم، ليصل إلى حالة كراهية لفكرة البرلمان المنتخب فى ذاتها.

يقيناً لن يرضى كثير من المصريين عن كثير من نوابهم، ومن الواضح أننا سنجد نوابا سيثيرون الأسى، وربما السخرية والحسرة على الخيبة الثقيلة التى أوصلنا لها قانون الانتخابات، وسيتذكر الناس موقفهم الرافض لتاريخ البرلمانات فى تأييد أى حاكم وأى نظام سياسى، ويسخرون من «نواب موافقون»، ولكنهم فى نفس الوقت ظلوا يتذكرون بالخير أسماء عظيمة على قلتها فى تاريخ هذا البرلمان، بعد أن ظل بالنسبة لكثير منهم الرئة التى يتنفسون من خلالها، ولو صخبا أو احتجاجا أو منافسة.

الحملة المبكرة على نواب البرلمان غريبة ولافتة، وكأنها تقول للشعب: «لا تنتخبوا مرة أخرى، لأن انتخابكم ينتج هؤلاء النواب، ودعوا الرئيس يشتغل، وتأكدوا أن العيب فيكم، لأن مجلس النواب من صنع أيديكم، والحل دائما سيكون فى المخلص القادم من خارج المشهد السياسى المنقسم، والشعب يختار نواب شراء الأصوات، لأنه غير قادر على الاختيار وغير مؤهل للديمقراطية، وأفضل للجميع وترشيدا للنفقات أن تكرهوا البرلمان ولا تحرصوا على وجوده».

والبداية كانت مع حملة غريبة على ميزانية مجلس الشعب، وكأن البلد ليست فيه وزارات لا تعمل بصورة كفؤة، وتعانى من ترهل وفساد، ومؤسسات سيادية ميزانيتها مليارات الجنيهات، ومع ذلك ظهرت موجة رواتب النواب وحصانتهم، وكأن المطلوب من النائب أن يكون منكسرا أمام سطوة رأس المال أو الدولة، عاجزا عن المواجهة بسبب لقمة العيش، فحتى مكافأته، (لن تتجاوز 15 ألف جنيه)، مطلوب تقليصها حتى يصبح مجرد منفذ لتوجيهات رجال الأعمال الذين أنفقوا على حملته أو الدولة التى سيضطر للعمل بها ويصمت على أخطائها.

إن الحديث عن خفض مكافأة النواب معناه إقرار بأن النائب لابد أن يكون رجل أعمال كبيرا وواحدا من نواب شراء الأصوات الذى لن يفرق معه أى راتب، بل إن أحمد عز ومَن يشبهه تبرعوا برواتبهم فى برلمان 2010 المزور، وعدم توفير حد أدنى من الدخل والحياة الكريمة لنائب البرلمان معناه الإصرار على جعل البرلمان منتدى لكبار الأثرياء، الذين يتصدقون على الناس بالملاليم ليأخذوا الملايين.

نفس الأمر انسحب على حديث الحصانة التى تبارى البعض فى المطالبة بالتنازل عنها، بمن فيهم بعض «نواب الشو» الإعلامى، والحقيقة أن حصانة نواب المجالس النيابية أمر مستقر فى البلاد الديمقراطية أو التى ترغب أن تكون ديمقراطية، بصرف النظر عن وجود بعض مَن يوظف هذه الحصانة فى أغراض غير قانونية، فالأمر لا يعدو أن يكون حصانة لتسهيل عمل النائب فى أداء واجبه فى الرقابة والتشريع، أما إذا كان المطلوب أن يبقى مُهَلِّلا ومُصَفِّقا أو نائما وغائبا، فإن الأمر بالتأكيد لا يحتاج إلى حصانة، لأن ما يقوله سيبسط الجميع.

صحيح أن مصر من البلاد التى استخدم فيها كثير من نواب الشعب حصانتهم فى قضايا مخالفة للقانون وفى الاستعلاء على خلق الله، وفى التربح وتحقيق مكاسب خاصة أو للأهل والعشيرة، إلا أن هذا لا يعنى مطالبة بعض الناس، بمن فيهم بعض المرشحين، بهذا «الاختراع النادر»، الذى يقول بإلغاء الحصانة خارج المجلس والاحتفاظ بها داخل المجلس.

إن الترجمة العملية لاختراع سحب الحصانة خارج المجلس تعنى أن النائب إذا تجاوز فى حق أى سلطة داخل البرلمان يستطيع أى أمين شرطة خارج البرلمان أن يقبض عليه أو يحتجزه لساعات أو أشهر، وهناك تهم كثيرة جاهزة قد تُبقيه وراء القضبان.

والحقيقة أن المطروح فى مصر ليس هو البحث عن استثناءات خاصة لكل فئة كما يطالب البعض كل يوم، فالقاضى بحكم طبيعة عمله يحتاج إلى حصانة أو وضع قانونى يتيح له القيام بعمله دون تهديد أو ضغوط، ونفس الأمر بالنسبة لنائب الشعب، فالحصانة هنا لا يجب أن تكون بابا لفساد أو استثناء، إنما فقط حماية للشخص لكى يقوم بعمله على أكمل وجه لا التربح منه، وأن توضع آلية لرفعها عنه فورا فى حال ثبوت ارتكابه أى جريمة.

المؤكد أن هذه الحروب التى يشنها البعض على البرلمان تأخذ فى طريقها فكرة اختيارات الناس، حتى لو أخطأت، لأن الديمقراطية تعَلُّم وممارسة، وتتجاوز النقد المشروع للآلية القانونية، التى وضعتها السلطة التنفيذية لتنظيم الانتخابات، وأيضا «فرجة» الهيئة العليا للانتخابات على انتهاكات صارخة، وعمليات شراء أصوات غير مسبوقة، وتجاوز السقف المحدد للدعاية الانتخابية بملايين الجنيهات، وعمليات تزييف وعى منظم من قِبَل الأذرع الإعلامية، وبعد ذلك نقول إن العيب فى الشعب «الجاهل» غير المهيأ للديمقراطية؟!

صحيح أن المجتمع يعانى من مشكلات كثيرة: فقر وعوز وأمية، ولذا تحدث علم السياسة عن تجارب انتقال أو تحول ديمقراطى وليس «بكبسة زر» (كما يقول اللبنانيون) تتحول مصر إلى بلد ديمقراطى، وبالتالى يصبح دور القوانين الناجزة والدولة الوطنية الفاعلة هو شروط تحقيق العدل والديمقراطية.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لا تكرهوا البرلمان لا تكرهوا البرلمان



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 08:36 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

تركيا تشن حرباً اقتصادية من أجل الاستقلال!

GMT 08:33 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيران: تصدير النفط أم الثورة؟

GMT 08:30 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

براً وبحراً والجسر بينهما

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 14:28 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

تشعر بالعزلة وتحتاج الى من يرفع من معنوياتك

GMT 09:45 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

20 عبارة مثيرة ليصبح زوجكِ مجنونًا بكِ

GMT 16:52 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تتيح أمامك بداية السنة اجواء ايجابية

GMT 15:26 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

يوم مميز للنقاشات والاتصالات والأعمال

GMT 07:09 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أمور إيجابية خلال هذا الشهر

GMT 16:36 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

النشاط والثقة يسيطران عليك خلال هذا الشهر

GMT 17:29 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحالفك الحظ في الايام الأولى من الشهر
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia