جرس الضرائب العقارية

جرس الضرائب العقارية

جرس الضرائب العقارية

 تونس اليوم -

جرس الضرائب العقارية

عمرو الشوبكي

شهد وسط القاهرة يوم الإثنين الماضى مظاهرة لموظفى الضرائب العقارية، شارك فيها الآلاف بعد انضمام مجموعات متضامنة من العاملين بالجمارك والهيئة القومية للتأمين الاجتماعى والسكة الحديد، وأعلنوا استمرار حملتهم الرافضة قانون الخدمة المدنية رقم 18 لسنة 2015، وأصدروا بياناً صحفياً يؤكدون فيه مطالبهم، ويطالبون الحكومة بإلغاء القانون أو وقف العمل به لحين إتمام الانتخابات البرلمانية واضطلاع البرلمان بأعمال السلطة التشريعية ومراجعة القانون.

مظاهرة الضرائب العقارية سلمية، وتحت سقف الشرعية، وحمل بعض مَن شاركوا فيها صور الرئيس السيسى ولم يهتفوا إلا ضد قانون الخدمة المدنية، فتسامح معها الأمن ولم يمسها، رغم أنها تعتبر مخالفة لقانون التظاهر، فى حين أن مظاهرات بعض القوى الشبابية والمدنية المعارضة يتعرض أصحابها للاعتقال والسجن لسنوات.

جرس الإنذار الذى أطلقته مظاهرة الضرائب العقارية كاشف لأمور كثيرة، فهناك رسالة واضحة لمن يهمه الأمر بأن هناك مشكلة عميقة فى التواصل بين النظام السياسى ومختلف قطاعات المجتمع، وبدا قانون الخدمة المدنية نموذجا واضحا، فرغم جهود وزير التخطيط فى توضيح بنود القانون وكفاءته إلا أن التواصل مع الناس ليس مسؤولية وزير ولا حكومة ولكنه مسؤولية نظام بأكمله، لأن القضية تتجاوز فكرة الشرح والعرض الجيد عبر وسائل الإعلام لتصل إلى مسألة الإقناع بالقانون وبناء تحالف سياسى واجتماعى يدافع عنه، وهى أمور تستلزم وجود حزب أو تيار أو ائتلاف سياسى يناقش أولًا قانون الخدمة المدنية، ثم يسعى بعد ذلك إلى إقناع الناس به، فى حين أن الواقع يقول لنا إن النظام السياسى المصرى لم يشهد منذ ثورة يوليو 52 نظاما فرديا، ورافضا لأى شراكة مجتمعية مثل النظام الحالى، وذلك بعيدا عن اللقاءات الديكورية التى نراها بين الحين والآخر بين الرئيس والأحزاب أو بعض الهيئات الاستشارية.

إن قانون الانتخابات، الذى يفترض أنه أمر يخص الأحزاب والقوى السياسية، لم تشارك فى وضعه ولم تناقشه من الأصل وفُرض عليها فرضا، وكذلك قانون الخدمة المدنية، الذى يمس الموظفين الذين يمثلون أغلبية الجهاز الإدارى للدولة، لم تأخذ الحكومة فيه رأى هيئة نقابية واحدة، ولا عقدت حوله حوارا مجتمعيا من أى نوع، وصدر القانون فى صورة فرمان قادم ممن يعرفون إلى من لا يعرفون، والمطلوب من الجميع السمع والطاعة.

والمؤكد أن هناك نصوصا جيدة فى قانون الخدمة المدنية، وبعضها الآخر طال انتظاره، والبعض الثالث يحتاج إلى مراجعة، لكن القضية كيف يمكن أن يصدر قانون يمس ما يقرب من 7 ملايين مواطن دون أى نقاش مجتمعى وسياسى من أى نوع، وهو استمرار لنفس المسار الذى نسير عليه منذ عقود، وهو تغييب فكرة النقاش العام، وصراع البرامج والرؤى فى إطار القانون والدستور لصالح نظريات الاصطفاف الوطنى والكل فى واحد وغيرها؟

إن الخطاب الرائج حاليا فى مصر يتحدث فى العموميات والشعارات والمشاريع الكبرى، وهو يمثل حاجزاً أمام أى نقاش علمى وتفصيلى، فقناة السويس هى أعظم مشروع فى التاريخ، أما عوائدها وحجمها وتأثيرها على الملاحة الدولية (بعيدا عن أنها هدية مصر للعالم) فهى كلها أمور ليست مهمة أمام حملة التهليل الإعلامية، ونفس الأمر ينسحب على قانون الخدمة المدنية، فالخطاب الرسمى السائد صمم على عدم مناقشة تفاصيل أى مشروع أو قانون، وبالتالى شهدنا هذا العجز الحكومى الواضح فى التعامل مع رد فعل موظفى الضرائب العقارية، لأن ما يقال كل يوم هو: «اصمت.. نحن فى حرب ضد الإرهاب، واحمد الله أننا لم نصبح سوريا أو العراق»، وهو أمر بالتأكيد يستلزم الحمد والشكر، ولكن لا يعنى الصمت، وأن الطريقة التى تدار بها الأمور فى البلاد هى التى ستوصلها إلى أزمات كبيرة وليس الاعتراض على قانون أو مشروع أو حتى مناقشته.

احتجاجات الموظفين دلالتها أخطر مما يتصور أهل الحكم، فقد كشفت عجز النظام السياسى عن التعامل مع هذا النوع من الاحتجاجات، كما أنها ستفتح الباب أمام مزيد من الاحتجاجات التى تستلزم من الحكم مراجعة تصوراته عن حق التظاهر والنقاش العام والعمل الأهلى والحزبى والبرلمانى، بعد أن اعتبرها كلها أموراً هامشية لا قيمة تذكر لها.

معارك مصر القائمة هى فى إصلاح جهازها الإدارى ومؤسسات دولتها، وقانون الخدمة المدنية هو أحد هذه المداخل الإصلاحية بعد إجراء حوار مجتمعى حوله وتعديله إذا لزم الأمر، وهى كلها أمور لكى تتم تحتاج إلى مناخ إعلامى وسياسى لا يخوّن المعارضين والمخالفين فى الرأى، وإلا هل نعتبر من حملوا صور الرئيس من موظفى الضرائب العقارية خونة أيضا لأنهم عارضوا القانون؟

لقد ضرب موظفو الضرائب العقارية، مثل كثيرين غيرهم، جرس الإنذار الكبير لنوعية من المشاكل والتحديات لن نواجهها بالهتاف والصريخ. فقد تأسس عقب 3 يوليو نظام سياسى لا يقبل أى تنوع، وحتى المؤيدون الذين يعترضون على قانون الخدمة المدنية لم يجدوا آذاناً صاغية.. فهل سيبقون إلى ما لا نهاية مؤيدين؟

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

جرس الضرائب العقارية جرس الضرائب العقارية



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 08:36 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

تركيا تشن حرباً اقتصادية من أجل الاستقلال!

GMT 08:33 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيران: تصدير النفط أم الثورة؟

GMT 08:30 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

براً وبحراً والجسر بينهما

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 14:16 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج القوس الخميس29-10-2020

GMT 16:15 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

النزاعات والخلافات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 16:45 2019 الخميس ,04 إبريل / نيسان

أبرز الأحداث اليوميّة عن شهر أيار/مايو 2018:

GMT 17:32 2019 السبت ,30 آذار/ مارس

آمال وحظوظ وآفاق جديدة في الطريق إليك

GMT 18:26 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الميزان الإثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 18:11 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر بيوم مناسب لك ويتناغم مع طموحاتك

GMT 10:44 2013 الثلاثاء ,09 إبريل / نيسان

شرش الزلّوع منشط جنسي يغني عن الفياغرا

GMT 14:55 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

يحذرك من ارتكاب الأخطاء فقد تندم عليها فور حصولها

GMT 18:34 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia