عمرو الشوبكي
ألقى الرئيس عبدالفتاح السيسى أمس الأول خطابه الأول أمام البرلمان المنتخب، تناول فيه قضايا داخلية وخارجية، وشدد على إنجازات تحققت، وعلى تحديات مؤجلة.
الخطاب كان محددا، كتب بشكل جيد ومركب، وبأسلوب صحفى وعلمى متنوع، وهو ما يعطى انطباعا بأن هناك أكثر من شخص ساهم فى كتابته وصياغة مفرداته، وهو فى كل الأحوال الخطاب الأقصر فى تاريخ خطابات رؤساء مصر فى افتتاح البرلمان حيث لم يتجاوز 33 دقيقة.
وقد تحدث الرجل عن إنجازات اقتصادية شهدتها البلاد على مدار ما يقرب من عامين، وعن عودة الأمن ومحاربة الإرهاب، كما تحدث عن دعم سياسة مصر الخارجية لحلول سياسية فى ليبيا واليمن وسوريا دون أن يحدد طبيعة هذه الحلول ولو فى عناوين.
وأشار الرئيس إلى المؤامرات التى تتعرض لها مصر، وركز على التحديات الأمنية بنسبة أكبر من حديثه عن باقى التحديات، واعتبر أن مصر كانت ومازالت مستهدفة، وأن الإنجازات التى حققتها الدولة فى مجالات التنمية الاقتصادية والمشاريع الكبرى تدل على قدرة الشعب على الإنجاز، وحرص الرجل على استخدام لفظ الدولة المصرية والشعب المصرى فى الحديث عن الإنجازات دون أى إشارة مباشرة لشخصه أو لعهده.
ولم يخف قلقه من الواقع حين قال: «إن ما يواجه هذا الوطن من تحديات يجعل القلق والتخوف أمراً مشروعاً، ولكن حجم الإنجاز غير المسبوق الذى تم بإرادة وعزيمة المصريين يجعل من الأمل أمراً حتمياً وفرضاً وطنياً»، وهى جملة متزنة وواقعية وتصل إلى قلوب كثير من الناس وعقولهم فى نفس الوقت.
وقد عكست هذه الجملة قدرة على التحليق بعيدا وهى تحمل رسالة أمل رغم صعوبة التحديات، وهو أمر إيجابى، ولكنها حلقت أيضا بعيدا عن المشاكل المعاشة وهو أمر سلبى.
وإذا نظرنا للقضايا الخارجية فسنجد أن الرئيس ركز على دول الجوار وأشار إلى نقطتين: الأولى أكد فيها أن مصر لن تلقى مصير سوريا والعراق، والثانية إشارة إلى دعم مصر للحل السياسى فى ليبيا وسوريا واليمن دون أى إشارة، لا من قريب أو بعيد، للقضية الأولى التى تشغل بال المصريين وهى سد النهضة!!
أما فى قضايا الداخل ففد حلق الخطاب نحو العموميات، فمن «تحيا مصر» إلى الحديث عن الإنجازات الاقتصادية والمشاريع الكبرى غابت تفاصيل الصورة والمشهد السياسى.
فالعالم لم يعد يتقدم بالشعارات الكبرى، إنما بقوانين صارمة تنفذ، وبإدارة ناجحة لمؤسسات الدولة قبل الإشادة بها، وبأدوات سياسية لحل المشاكل والصراعات، وهى أمور حلق بعيدا عنها خطاب الرئيس.
فمصر أزمتها ليست فى مطالبة النواب بأن يبتعدوا عن الاستعراض الإعلامى، ولن تحل بدمج الشباب فى مؤسسات الدولة (مساعدين ومعاونين للمحافظين أو الوزراء) إنما فى وجود أدوات سياسية قادرة على استيعاب الشباب فى مسار سياسى غائب، وأن تساهم فى حل الأزمة بين نقابة الأطباء والشرطة، وتواجه تهديدات أمناء الشرطة للإضراب مرة ثانية، وتحتوى أزمة الألتراس المتصاعدة التى تمثل نمطا احتجاجيا شبابيا جديدا بعد حصار الجماعات الشبابية السياسية، وغيرها.
إن التحليق فوق الواقع لن ينقلنا للأمام، وإن الإسهاب فى الحديث عما نحب لن يلغى وجود ما نكره، وإن مشاكل مصر الحقيقية هى فى التفاصيل التى تقف خلف إدارة كل مؤسسة، وفى غياب الإدارة والرؤية السياسية، فهل سيأتى اليوم الذى نواجه فيه هذه المشاكل؟.