الاقتصاد والسياسة

الاقتصاد والسياسة

الاقتصاد والسياسة

 تونس اليوم -

الاقتصاد والسياسة

عمرو الشوبكي

تباينت الآراء واختلفت الاتجاهات وقرأ الناس مشاريع الرئيس التنموية قراءات مختلفة، فما بين القلة التى ترغب فى إفشال أى مشاريع حتى تخرب البلاد وتسقط على رؤوس الجميع، وبين أغلبية حريصة على أن تعبر بالبلاد من أزمتها، وتعتبر أن أى نجاح هو نجاح لمصر وشعبها وليس فقط نجاحاً للرئيس.

صحيح أن هناك اجتهادات مختلفة للتعامل مع الملف الاقتصادى، لم تتح لها فرصة كافية للتعبير عن آرائها، كما أن الرؤى الاقتصادية المختلفة فى التعامل مع مشروع قناة السويس وعملية ترتيب الأولويات لم تتح لها أيضا فرص تذكر فى التعبير عن نفسها باعتبارها جزءاً من صورة مصر الجديدة التى يرغب قطاع واسع من المصريين فى رؤيتها: النقاشات العلمية، والخلاف على ترتيب أولويات المشاريع الاقتصادية والتنموية.

والمؤكد أن إحدى أبرز مشكلات الوضع الحالى هى تلك الرؤية التى ترى أن الإنجاز الاقتصادى أمر منفصل عن الإنجاز السياسى، وتنسى أن هناك فرعاً فى العلم اسمه «التنمية السياسية» ولا يمكن فصله عن التنمية الاقتصادية، بل لا يمكن تحقيق أى نجاح فى الأخير دون امتلاك رؤية محددة فى الأول.

الواضح أن النظام الجديد فى مصر قد انحاز لفكرة الإنجاز الاقتصادى، ومشاريع التنمية الاقتصادية الكبرى على حساب التعامل مع الملفات السياسية الشائكة، أو على الأقل تأجيلها، واعتبر أن جرعة السياسة الزائدة ومناخ الفوضى والاستباحة والعشوائية التى راجت فى مصر عقب ثورة 25 يناير قد أصابت الناس بالسأم من «الثرثرة السياسية» التى لم تنجز مشروعا اقتصاديا واضحا لصالح عموم الشعب المصرى، وحوّلت السياسة إلى مجال للشتائم والاحتجاج دون تقديم أى بدائل.

والمؤكد أن هذه ليست السياسة المعروفة فى كل البلاد المحترمة ولا نقول بالضرورة الديمقراطية، فالمؤكد أن الصوت الاحتجاجى هو أحد روافدها ولكنه ليس الرافد الأساسى، ولا يمكن أن تبنى كيانا سياسيا شرعيته الوحيدة قائمة على الرفض ويسقط الرئيس القادم.

إن سوء أحوال السياسة والسياسيين لا يعنى عدم الحرص على تحسينها، تماما مثلما أن سوء الأحوال الاقتصادية لا يعنى عدم العمل الدؤوب على مواجهتها، وأن ما يجرى الآن هو عمل من أجل مواجهة مشاكل الثانية، وتجاهل مشاكل الأولى.

والحقيقة يجب أن ننظر إلى أن جانبا من أسباب الانحياز الكامل لفكرة التنمية الاقتصادية على حساب التنمية السياسية يرجع إلى توازن القوى الموجود على الأرض، فهناك قوى الاحتجاج التى أشعلت الثورة بعفوية، ولديها ثقافة احتجاجية فى مواجهة رموز السلطة القديمة والجديدة وقادة الحكومة والأحزاب باعتبارهم نخبة يجب إسقاطها، دون أن تبذل الجهد المطلوب فى بناء مشروع سياسى بديل لما هو قائم ينعكس على برامج التنمية الاقتصادية.

البديل ليس فقط احتجاجياً، رغم أهميته فى بعض الوقت وليس طوال الوقت، إنما صناعة بديل متكامل لإدارة مؤسسات الدولة وإصلاحها بعد أن شاخت وغاب عن الكثير منها المهنية، والانطلاق من أن المجتمع المصرى كله مأزوم: مؤسساته، وأحزابه، وقواه الثورية، ولا يوجد أحد على رأسه ريشة يتصور أنه نموذج للنقاء الثورى أو التطهر الدينى فوق الآخرين.

الوضع السياسى سيئ ولكن لا يمكن التعامل معه بالتجاهل، فهناك شباب ساخط، وهناك قوى سياسية من خارج الإخوان تشعر بالغبن والتهميش وتتعرض فى أحيان كثيرة للانتهاكات، ولا يوجد طريق واضح يقول لك: إذا كنت سلمياً وإصلاحياً ولديك مشروع سياسى واقتصادى مخالف فأنت جزء من النظام السياسى والشرعية، ولك نفس حقوق قوى الموالاة (بتعبير الأستاذ فهمى هويدى)، فى مواجهة قوى العنف (محرضين وممارسين)، والإرهاب وكراهية الدستور والدولة والشعب، وهذا هو ما سيضع الحدود الفاصلة بين نظام سياسى جديد قابل للحياة والتقدم، ولا يتحدث فقط عن إنجازات اقتصادية محتملة ويتجاهل إخفاقات سياسية واضحة.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الاقتصاد والسياسة الاقتصاد والسياسة



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 08:36 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

تركيا تشن حرباً اقتصادية من أجل الاستقلال!

GMT 08:33 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيران: تصدير النفط أم الثورة؟

GMT 08:30 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

براً وبحراً والجسر بينهما

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 18:47 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الدلو الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 18:38 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج القوس الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 14:13 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج العقرب الخميس 29 -10 -2020

GMT 14:08 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج العذراء الخميس 29-10-2020

GMT 15:33 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

يبشّر هذا اليوم بفترة مليئة بالمستجدات

GMT 18:18 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الأسد الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 16:31 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

فرص جيدة واحتفالات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 18:23 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر مع تنافر بين مركور وأورانوس
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia