الإصلاح من داخل النظام

الإصلاح من داخل النظام

الإصلاح من داخل النظام

 تونس اليوم -

الإصلاح من داخل النظام

عمرو الشوبكي

فى مصر، مثل بلاد كثيرة فى العالم، هناك جدل دائم حول قضية الإصلاح من داخل النظام، وعرفت البلاد محاولات حثيثة من قبل بعض من غامروا ودخلوا الحزب الوطني الديمقراطى لإصلاح النظام من داخله، صحيح أن محاولتهم باءت بالفشل إلا أن بعضها كان جريئا، ولو قدر له النجاح لجنب البلاد مخاطر الثورة وكوارث المرحلة الانتقالية ولكانت مصر فى وضع أفضل مما هى عليه الآن.

وقد كتبت الأسبوع الماضى مقال «من المسؤول عن الثورة»، وقلت فيه إن الثورة فعل اضطرارى يتحمل اندلاعها بشكل رئيسى النظام الذى خرجت ضده، و«لو كانت هناك وجوه إصلاحية داخل دولة مبارك من خارج شلة التوريث لكان أغلب الناس قبلوا بواحد منها يقود البلاد فى مسار إصلاحى آمن».

وقد تلقيت، عقب نشر هذا المقال، اتصالاً تليفونياً من د. حسام بدراوى، القيادى الإصلاحى السابق فى الحزب الوطنى، معترضا بشكل ودى على الجملة الأخيرة، على اعتبار أنه كانت هناك بالفعل وجوه إصلاحية داخل النظام، واعتبرت أن الصياغة الأدق كانت «لو كانت هناك وجوه إصلاحية نجحت فى تحقيق ولو جانب من رؤيتها الإصلاحية».

وقد أرسل الرجل، فى أعقاب اتصاله الهاتفى، رسالة مختصرة أرفقها بمقترحات سماها «دعم مسار مصر فى حقوق الإنسان»، سبق أن قدمها للرئيس الأسبق حسنى مبارك، وكانت على قدر كبير من الأهمية والجرأة، وكالعادة كان مكانها «ثلاجة مبارك» الشهيرة، فى حين أنه لو أخذ بها لكان ملف حقوق الإنسان بل والملف السياسى فى مصر فى وضع أفضل بكثير.

وتضمنت مقترحات بدراوى أن يأخذ الحزب الوطنى مبادرة سياسية جديدة لتطبيق آليات حقوق الإنسان فى مصر، وجاء فيها:

1- بالإشارة إلى تحليل الأوضاع الإقليمية حول مصر فإن انتشار المد والتطرف الدينى السياسى، من حولنا سواء فى غزة أو لبنان أو السودان أو الخليج أو المغرب العربى، هو وضع يزيد من غلبة فكر المواجهة الأمنية، ولكن المواجهة الأمنية على أهميتها لابد أن يكملها رؤية ومسار وسياسات وبرامج ذات طبيعة سياسية إصلاحية تشارك قوى المجتمع المدنى ولا تعاديها، حتى لا تقع فريسة الدعاوى السياسية المغلفة بالشعارات الدينية السياسية.

2- لابد أن نسلم أن المواجهة الأمنية للإسلام السياسى تؤدى بالضرورة الحتمية لفرض بعض القيود على حقوق الإنسان خاصة فى مجالات حرية التعبير والانتقال ونشاط الأحزاب السياسية والجمعيات الأهلية وغير ذلك، وبالتالى فإننا نحتاج «لاستراتيجية موازية» لحماية حقوق الإنسان وتعزيز المشاركة السياسية والانفتاح على المجتمع المدنى عبر مبادرات جديدة وفكر جديد وبرامج تنفيذية، يشعر بها المواطنون ويشاركون فيها.

3- إن العديد من الدوائر الحزبية والحكومية فى أوروبا والولايات المتحدة بدأت تطالب بالتعامل مع «تيار الإسلام المعتدل». وهو تناقض اصطلاحى يحتاج للتوضيح، لأن أى «إسلام سياسى» ببساطة يستخدم الدين للوصول للسلطة أو على الأقل يخلط الدين بالسياسة، وهذا خطر كبير على الدولة المدنية وعلى الدستور وعلى الأقباط وعلى تجانسنا القومى، ودورنا الإقليمى وصورتنا الدولية، بل هو خطر جسيم على كل الشرق الأوسط، لأن ما يحدث فى مصر سوف يكون هو النموذج السائد فى المنطقة ككل.

4- أما على المستوى الوطنى فإن المد الدينى السياسى فى تزايد، وتغلغله الاجتماعى واضح ومظاهره الثقافية مقلقة للغاية. وما فعلته الحكومة من إصلاحات فى مجال مواجهة ذلك مازال محدود التأثير على المواطنين، بل إن أجهزة الدولة الإعلامية تساند أحيانا هذا التأثير بأشكال مباشرة، ويزيد على ذلك أن ثقافة التعليم ووسائله تترك التلاميذ عرضة للتأثر بالمدرسين الذين يميلون لتأكيد هذه الهوية.

5- إن أى حكومة لا يمكنها مواجهة التطرف الفكرى والدينى وحدها، فقط المجتمع يمكنه ذلك، والمجتمع لا يمكن أن يتحالف مع الحكومة لتحقيق هذا الهدف، إلا إذا أطلقنا له القنوات والمساحة والحريات، وضمنا له كرامته، بما فى ذلك أسلوب المعاملة، ليس فقط فى السجون وأقسام الشرطة، ولكن مع كل جهات الإدارة العادية، وفى طلباته لحقوقه الطبيعية فى الصحة والتعليم والمواصلات والسكن والغذاء، وهو محور الفكر الجديد فى نهضة الحزب الوطنى الذى على أساسه اشتركت فيه لأنه من وجهة نظرى لا يوجد خلاف بين مضمون فكر الحزب كما ننشره وبين تطبيق آليات حقوق الإنسان ومفاهيمه كما وردت فى تعهدات مصر الدولية فى هذا الإطار وإلا أصبحنا ننافق أنفسنا والرأى العام.

واختتم الرجل رسالته بالقول إن هذه واحدة من العديد من المذكرات التى قدمتها إلى رئيس الجمهورية عاما بعد عام، وعندما اقرأها مره أخرى أفكر فيما أخطأت فيه.

هل كان لزاما على أخذ موقف أكثر حدة، وإذا كنت قد فعلت، هل كان وجودى فى المعارضة سيغير من الأمر شيئا؟

يقينا بدراوى لم يخطئ بخياره هذا مثل آخرين اختاروا أن يصلحوا من داخل النظام دون أن يكونوا جزءا من فساد وإفساد وجرائم سرقة ونهب، وإن كنا على الأرجح سنعتبر أن الإصلاحيين من داخل النظام أخطأوا لو كان المعارضون أو الثوار من خارج النظام قد نجحوا.

إن أخطر ما واجهته مصر فى أعقاب ثورة يناير أنه لا الثوار بنوا تنظيما سياسيا إصلاحيا أو ثوريا قادرا على الحكم، ولا الإصلاحيين الذين تواجدوا داخل الدولة والنظام الأسبق نجحوا فى توجيه البلاد نحو الإصلاح وتفادى الثورة (راجع مقالنا فى العام الماضى حين فقدنا المسار الإصلاحى).

ورغم أنى كنت من معارضى الحزب الوطنى إلا أن أى تجربة تغيير ناجحة كانت معبرة عن توازن بين النظام القديم والجديد، وأن نظريات إسقاط النظام بالضربة القاضية وباستدعاء نظريات ثورية من متاحف التاريخ تسقط نظما قديمة وتؤسس لأخرى جديدة أمر اختفى من كل تجارب التغيير الناجحة فى النصف قرن الماضى، وأصبح التغيير نتاج توازن القوى بين من طالبوا بالإصلاح من خارج النظام ومن داخله.

وفى مصر فقد فشل الاثنان معا: إصلاحيو النظام أن يصلحوا ويحولوا دون أن تتجه البلاد نحو الثورة، ومن شاركوا فى ثورة يناير أن يحولوها إلى نظام سياسى قادر على الحكم وصناعة التقدم.

الإصلاح من داخل النظام مهمة صعبة ولكنها ليست مستحيلة وتتطلب ضغوطا شعبية وقوى إصلاحية منظمة من داخل النظام وخارجه وهى معركة نقاط لم تنته بعد.

 

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الإصلاح من داخل النظام الإصلاح من داخل النظام



GMT 09:34 2021 الجمعة ,15 تشرين الأول / أكتوبر

الخديو المبذر

GMT 16:26 2021 السبت ,25 أيلول / سبتمبر

الجميلة و «الحمارة الكبرى»

GMT 13:04 2021 الجمعة ,10 أيلول / سبتمبر

ثلاث مصريات من لبنان: البحر من ورائها

GMT 14:39 2021 الجمعة ,09 إبريل / نيسان

تَغيير الحَمَل... كل يوم

GMT 14:28 2021 الخميس ,08 إبريل / نيسان

ابنة الزمّار وحسناء الزمان

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 14:28 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

تشعر بالعزلة وتحتاج الى من يرفع من معنوياتك

GMT 09:45 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

20 عبارة مثيرة ليصبح زوجكِ مجنونًا بكِ

GMT 16:52 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تتيح أمامك بداية السنة اجواء ايجابية

GMT 15:26 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

يوم مميز للنقاشات والاتصالات والأعمال

GMT 07:09 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أمور إيجابية خلال هذا الشهر

GMT 16:36 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

النشاط والثقة يسيطران عليك خلال هذا الشهر

GMT 17:29 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحالفك الحظ في الايام الأولى من الشهر
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia