أسلمة التطرف

أسلمة التطرف

أسلمة التطرف

 تونس اليوم -

أسلمة التطرف

عمرو الشوبكي

خرجت كثير من الكتابات التى تتحدث عن التطرف الإسلام ى، والجماعات الجهادية والتكفيرية باعتبارها تمثل انحرافا عن الفهم الصحيح للدين، وخارجة عن شريعته السمحة، والواقع أن هذه المفاهيم تحتاج الآن إلى مراجعة عقب ظهور الجماعات الداعشية التى حركتها دوافع اجتماعية وسياسية وطائفية طبعتها بشعارات إسلامية، أو جعلتها «تؤسلم التطرف» القادم من الواقع المجتمعى أولاً وليس النصوص الدينية كما جرى مع الجماعات الجهادية فى سبعينيات القرن الماضى.

والحقيقة أننا شهدنا خبرة الجماعات الجهادية التى خرج معظمها من عباءة الإخوان ومن كتابات سيد قطب، وتركزت على نمط فكرى وعقائدى متكامل يدور حول مفهوم الحاكمية لله، واعتبار كل القوانين الإنسانية خروجاً عن الشريعة، وأن النظم القائمة هى نظم جاهلية لا تطبق أحكام الله ولذا وجب تكفيرها وإسقاطها بالعنف.

والحقيقة أن رحلة بناء هذا النسق العقائدى فى صورته المعاصرة استمرت عقوداً، وخرجت مئات الكتب وآلاف المنشورات والأبحاث التى تبرر ممارسة العنف والإرهاب، ولعل دراستنا فى تسعينيات القرن الماضى لفكر تنظيم الجهاد أوضحت أن مدخل أى عضو فى هذا التنظيم كان يبدأ بالإيمان بنسق عقائدى متكامل يدفعه إلى ممارسة العنف فى مواجهة ما كان يعتبره «النظام الكافر» والمجتمع الجاهلى.

فمثلاً سيد إمام الشريف (واسمه الحركى دكتور فضل) وهو أحد أهم من صاغوا الإطار الفكرى للتنظيمات الجهادية فى مصر وخارجها، كتب مجموعة من الكتب، أهمها على الإطلاق «كتاب العمدة فى إعداد العدة»، الذى تجاوز ألف صفحة، ويعد المرجع الرئيسى لكل الجماعات الجهادية والتكفيرية، وأيضا كتب الجامع فى طلب العلم الشريف، النصيحة فى التقرب إلى الله، الإرهاب من الإسلام ومن أنكر ذلك فقد كفر، أسرار تنظيم القاعدة، نقد الشيعة.

والمؤكد أن كل هذه الكتب تمثل نوعا من الانحراف الفقهى والعقائدى عن صحيح الإسلام، وسبق أن دحضها علماء كثيرون، وراجع جانب منها سيد إمام نفسه قبل خروجه بقليل من السجن بعد ثورة يناير، فى كتاب آخر سماه «ترشيد الجهاد».

والحقيقة أن هذا السجال الفقهى والعقائدى الذى راج فى نهايات القرن الماضى بين الجهاديين وخصومهم تراجع بصورة كبيرة مع تنظيم القاعدة، ثم اختفى تقريبا مع دواعش القرن الجديد لصالح عمليات قتل وذبح واستباحة كاملة يقوم بها قتلة مجرمون لم يقرأ معظمهم كتابا إسلاميا واحدا ولو حتى فى الاتجاه الخاطئ.

إذا سألت أحد رموز الجماعات الجهادية الذين قدموا مراجعات فقهية فى نبذ العنف، مثل د. ناجح إبراهيم، عن برنامج الإعداد العقائدى لعضو الجهاد أو الجماعة الإسلامية فى سبعينيات القرن الماضى وقارنته بإعداد عضو داعش فى العقد الحالى، ستكتشف أنه فى الحالة الأولى كانت عملية الإعداد تستغرق سنوات ليصبح العضو جهاديا مهيأ لممارسة العنف، أما مع داعش فإن الأمر لا يحتاج أى إعداد عقائدى يُذكر، إنما الدافع هو رغبة فى الثأر من الشيعة فى العراق أو من النظام الطائفى فى سوريا، أو الانتقام من الاضطهاد والعنصرية فى أوروبا فتطوع مع داعش لينتقم من كل «الكفار» غربا وشرقا.

الدواعش الجدد أصبحوا متطرفين لأسباب اجتماعية أو سياسية أو اقتصادية (مع الأموال الهائلة التى تدفع لهم)، وألبسوا تطرفهم هذا ثوباً إسلامياً، فى حين أن جهاديى القرن الماضى كانوا متطرفين إسلامياً بحق، ولذا فى الحالة الأولى المواجهة ستكون سياسية وأمنية بالأساس، والمواجهة الفكرية عامل مساعد، على عكس الثانية التى كانت المواجهة الدينية فيها هى الأساس.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أسلمة التطرف أسلمة التطرف



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 08:36 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

تركيا تشن حرباً اقتصادية من أجل الاستقلال!

GMT 08:33 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيران: تصدير النفط أم الثورة؟

GMT 08:30 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

براً وبحراً والجسر بينهما

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 14:16 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج القوس الخميس29-10-2020

GMT 16:15 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

النزاعات والخلافات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 16:45 2019 الخميس ,04 إبريل / نيسان

أبرز الأحداث اليوميّة عن شهر أيار/مايو 2018:

GMT 17:32 2019 السبت ,30 آذار/ مارس

آمال وحظوظ وآفاق جديدة في الطريق إليك

GMT 18:26 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الميزان الإثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 18:11 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر بيوم مناسب لك ويتناغم مع طموحاتك

GMT 10:44 2013 الثلاثاء ,09 إبريل / نيسان

شرش الزلّوع منشط جنسي يغني عن الفياغرا

GMT 14:55 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

يحذرك من ارتكاب الأخطاء فقد تندم عليها فور حصولها

GMT 18:34 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia