«بدر همام» طراز خاص

«بدر همام».. طراز خاص

«بدر همام».. طراز خاص

 تونس اليوم -

«بدر همام» طراز خاص

بقلم : مصطفي الفقي

يلح على دائمًا اسم ذلك الدبلوماسى المتميز «بدر همام» ابن «قرية الراهب» من أعمال «محافظة المنوفية» والذى كان يقول لى دائمًا إنها قرية «مستفرخ المماليك» تأكيدًا لوعيه العميق بالتاريخ الاجتماعى للمنطقة التى نشأ فيها وخرج منها، وعندما التحقت بوزارة الخارجية فى نهاية عام 1966 بهرتنى ــــ أنا وكثيرا من زملائى ـــ شخصية ذلك الدبلوماسى الأنيق الذى يتحدث الإنجليزية بطلاقة وسلاسة، مع اعتزاز بالنفس وكبرياء شخصية تجسد صورة من يمثل «مصر» فى الخارج، وكان عائدًا من خدمته فى سفارتنا بـ«ليبيا»، وقد اختاره السيد «محمود رياض» وزير الخارجية سكرتيرًا سياسيًا له فى تلك السن المبكرة، ثم اقتربت منه كثيرًا إلى أن شاءت الأقدار أن أعمل معه فى سفارتنا بـ«لندن»، وقد اكتشفت فيه صفات طيبة كثيرة فهو بشوش الوجه طلق المحيا، أنيق الملبس، ورغم أنه قد خرج من القرية المصرية إلا أنه يبدو لمن يراه وكأنه من مواليد دولة أوروبية شكلًا وثقافة، وما أكثر حواراتنا السياسية ولقاءاتنا الفكرية وقد اعترضت علاقتنا أحيانًا بعض السحب العابرة نتيجة اختلافات فى الرأى أو فى النظرة إلى بعض الأمور، ولكننى ظللت أحمل له فى أعماقى حبًا واحترامًا شديدين، وقد واصل الرجل مسيرته الدبلوماسية حتى أصبح سفيرًا لـ«مصر» فى «الصين» وكان ناجحًا فى كل موقع تولاه مرموقًا فى كل مهمة تصدى لها، حتى اختاره رئيس الوزراء المصرى مستشارًا سياسيًا له معارًا من وزارة الخارجية، ولكن المفاجأة الكبيرة التى هزتنا جميعًا من الأعماق هى أن الرجل عندما أحيل إلى التقاعد أعطى ظهره لـ«القاهرة» واتجه إلى قريته فى زهد كامل عن أية مناصب مبتعدًا عن الأضواء، يدير أرضه الزراعية ويعيش فى القرية التى نشأ فيها ولا يأتى إلى «القاهرة» إلا زائرًا عابرًا، وقد تعرض فى الأعوام الأخيرة لصدمات محزنة كنت أهتز فيها معه عن بعد، رغم أننى لم ألتقِه منذ سنوات طويلة، فقد رحلت قرينته الفاضلة، ثم رحل بعدها زوج ابنته العزيزة، ولكن الله أعطاه ذرية صالحة حيث أصبح ابنه طبيبًا لامعًا متخصصًا فى العلاج بالإبر الصينية، ولقد ظللت دائمًا أتذكره فى مناسبات كثيرة وأرى فيه طاقة كبيرة كان ينبغى أن تستفيد بها «مصر» استفادة تفوق ما تحقق منه فى سنوات خدمته الدبلوماسية، ولكننا للأسف بلد مهدر للطاقات طارد للكفاءات والذين يعتزون بأنفسهم ولا يتسولون المناصب ولا يلهثون وراء المواقع قد تحرمهم الأقدار ما يستحقون، ولقد عزمت منذ عامين أو ما يزيد على زيارته فى قريته مع صديقنا المشترك الدكتور المهندس «إبراهيم فوزى» وزير الصناعة الأسبق، ومعنا صديق مشترك عزيز على قلب «بدر همام» وعلينا جميعًا وأعنى به الراحل «شوقى أبوعلى» والذى أدى رحيله المفاجئ إلى إجهاض فكرة زيارة صديق نعتز به ونحترمه كنا نتطلع إليها فى قريته التى اعتكف فيها منذ أن أحيل إلى التقاعد،

وقد التقيت مؤخرًا صديقًا عزيزًا هو الدكتور «عادل البلتاجى» وزير الزراعة الأسبق ووجدنا معًا أن «بدر همام» صديق مشترك يحمل له كلانا نفس التقدير والاعتزاز وندرك مكانته وقيمته، ونرى أن الوطن كان يحتاج دائمًا إلى خدماته المخلصة هو وأمثاله من أبناء «مصر» المنجبة، وعندما يطل علينا شهر «رمضان» المبارك أتذكر «بدر همام» بأخلاق القرية فى تكوينه وكرم الضيافة فى شخصيته فتلح على خاطرى سنوات الخدمة فى «لندن» وما قبلها وما بعدها وأتطلع إلى رؤيته، وحيث لم تسعفنى الظروف فى زحام الحياة فلقد قررت أن أكتب عنه باعتباره مصريًا ذا كفاءة عالية وخبرة طويلة وعلم غزير، وتمنيت له ولأسرته كل الخير، فالمرء كلما تقدم به العمر فتح خزائن ذكرياته ليرى منها تلك الومضات المضيئة من شخوص عرفها وبشر تعامل معهم، وأنا هنا لا أقحم على القارئ شأنًا شخصيًا ولكننى أقدم نموذجًا وطنيًا لدبلوماسى محترف وشخصية استثنائية بكل المعانى.. تحية لـ«بدر همام بدر» وكل من قدم عطاءً لـ«مصر» ولم يطلب مقابلًا إلا رفعة لوطنه وإعلاءً لشأنه، فأصبحوا شخصيات لا تنسى مهما طال البعاد وامتد الزمن وانقطع التواصل!

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«بدر همام» طراز خاص «بدر همام» طراز خاص



GMT 03:55 2018 الخميس ,23 آب / أغسطس

الأصول المصرية.. الهوية نموذجاً

GMT 04:11 2018 الثلاثاء ,17 تموز / يوليو

زراعة الصحراء فى الوطن العربى

GMT 03:40 2018 الجمعة ,13 تموز / يوليو

رحيل أزهرى جليل

GMT 06:52 2018 السبت ,24 آذار/ مارس

وعادت جامعة بيروت العربية!

GMT 05:37 2018 الأربعاء ,07 آذار/ مارس

ظاهرة الحَوَل السياسى

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 18:47 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الدلو الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 18:38 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج القوس الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 14:13 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج العقرب الخميس 29 -10 -2020

GMT 14:08 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج العذراء الخميس 29-10-2020

GMT 15:33 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

يبشّر هذا اليوم بفترة مليئة بالمستجدات

GMT 18:18 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الأسد الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 16:31 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

فرص جيدة واحتفالات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 18:23 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر مع تنافر بين مركور وأورانوس
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia