مصر وعولمة الإرهاب

مصر وعولمة الإرهاب

مصر وعولمة الإرهاب

 تونس اليوم -

مصر وعولمة الإرهاب

عمار علي حسن

كانت هجرة متطرفين إلى خارج مصر ابتداءً من أواخر ثمانينات القرن العشرين تستهدف تحقيق «التمكن» الذى لم يكن من المتاح الوصول إليه فى مصر نفسها، نظراً ليقظة الأجهزة الأمنية وصرامة السلطة الحاكمة فى التعامل مع أى جماعات خارجة على القانون، وبعد ذلك تأتى مرحلة «الفتح»، الذى يعنى دخول أعضاء هذه الجماعات إلى مصر فاتحين على غرار الفتح الإسلامى الأول فى محاولة إعادة إنتاج حدث تاريخى بشكل تبسيطى لا يخلو من سذاجة كبيرة.

ومن ثم يمكننا فهم سر إطلاق تنظيم الجهاد على العناصر التى دفع بها إلى مصر فى عقد التسعينات من القرن الماضى لاغتيال بعض رموز السلطة السياسية وضرب السياحة اسم «طلائع الفتح»، وهى خلايا كانت تعمل تحت قيادة أيمن الظواهرى.

لكن العوامل القديمة التى أسهمت فى إيجاد مسألة «الهجرة» لم تلبث أن رشحت على هذا التفكير، وكان من الصعب أن ينسلخ تنظيم الجهاد المصرى تماماً عن الأطراف التى أسهمت فى تشكيل حركة عناصره إلى الخارج، وتحديداً إلى أفغانستان. ومن ثم ما إن خرجت القوات السوفيتية من هذا البلد ونشبت حرب أهلية بين فصائل «المجاهدين» حتى وجد «الراديكاليون الإسلاميون»، الذين انضووا تحت مسمى عريض هو «الأفغان العرب» أنفسهم موزعين على تكتيكات واستراتيجيات أطراف إقليمية ودولية، بعضها استخدم الهاربين من قيادات الجماعات المتطرفة أوراقاً فى يده يناور بها الحكومة المصرية، وفى مقدمة هذه الأطراف تأتى الولايات المتحدة، التى تردد أنها أجرت اتصالات مع قيادات من «الإخوان المسلمين» و«الجماعة الإسلامية»، إبان فترة العنف الأخيرة والعصيبة التى مرت بها مصر، وامتدت من 1989 إلى 1997.

وبعض هذه الأطراف عوّل على هؤلاء فى تحقيق أهداف بعيدة المدى تخص إقامة «أممية إسلامية»، مثل ما هو حال السودان طيلة عقد التسعينات. بالإضافة إلى ذلك استفاد بعض الهاربين من بين من حاربوا فى أفغانستان من قوانين اللجوء السياسى فى دول أوروبا، وحصل كثيرون على فرص عمل فى بلدان عربية خليجية وغير عربية، ووجد آخرون فى بؤر الصراعات المسلحة، أو ما يطلق عليها «البؤر الملتهبة»، فى البوسنة والهرسك، وكوسوفا، والشيشان، وكشمير، وطاجيكستان، والفلبين، مأوى بعد أن أوصدت مصر أبوابها أمامهم، إثر صدور أحكام غيابية عليهم تراوحت بين الإعدام والأشغال الشاقة المؤبدة، باعتبارهم ارتكبوا جرائم.

وهذه الأحوال أدت إلى توزع قطاع من تنظيم الجهاد المصرى على دول عديدة انتفاعاً من التعاون مع أجهزة استخبارات تارة، ووجود عناصر قادرة على تزوير الأوراق الثبوتية كافة، وتوافر جهات قادرة على التمويل دوماً.

وأسهمت الطفرة الهائلة فى وسائط الاتصالات فى ربط هؤلاء جميعاً بمراكز قيادة فى الخارج، وعناصر قيادية داخل مصر نفسها، فى حين أسهم التقدم الملموس الذى شهدته الأعمال المصرفية فى إتاحة فرص كبيرة لتحويل الأموال وغسيلها، من أجل دعم عمليات إرهابية أو دفع مقابل لمتعاونين وأعضاء فى هذه التنظيمات، أو الإنفاق على أسرهم سواء فى الداخل أو فى الخارج. كما وفرت شبكة «الإنترنت» وسيلة إعلامية رخيصة وسهلة أمام هذه التنظيمات لتصدر صحفها ومجلاتها وبياناتها المتتالية.

ولاستعمالها ما جادت به الحداثة فى أعلى صورها، تمددت التنظيمات المتطرفة والإرهابية بوجه عام لتصبح جزءًا من صور العولمة، واستكملت هذا «التعولم» بمنازلة أمريكا فى 11 سبتمبر فى معركة، إن لم تكن متكافئة على الإطلاق، فإنها تظهر المستوى الذى وصلت إليه الجماعات الراديكالية الإسلامية ذات البُعد الدولى فى التنظيم والتخطيط والتنفيذ من جهة، والرغبة الواضحة فى طرح نفسها بقوة على الخريطة السياسية الدولية من خلال «أجندة» موجهة أساساً ضد واشنطن ومعها تل أبيب، من جهة ثانية.

(ونكمل غداً إن شاء الله تعالى)

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مصر وعولمة الإرهاب مصر وعولمة الإرهاب



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 08:36 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

تركيا تشن حرباً اقتصادية من أجل الاستقلال!

GMT 08:33 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيران: تصدير النفط أم الثورة؟

GMT 08:30 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

براً وبحراً والجسر بينهما

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 18:47 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الدلو الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 18:38 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج القوس الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 14:13 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج العقرب الخميس 29 -10 -2020

GMT 14:08 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج العذراء الخميس 29-10-2020

GMT 15:33 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

يبشّر هذا اليوم بفترة مليئة بالمستجدات

GMT 18:18 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الأسد الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 16:31 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

فرص جيدة واحتفالات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 18:23 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر مع تنافر بين مركور وأورانوس
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia