مصر والعرب الآن 1  4

مصر والعرب الآن (1 - 4)

مصر والعرب الآن (1 - 4)

 تونس اليوم -

مصر والعرب الآن 1  4

عمار علي حسن

ليست هذه هى المرة الأولى ولن تكون الأخيرة فى تاريخ مصر التى يُطرح فيها تساؤل حول مدى التوافق والتنافر بين استحقاقات التنمية المحلية فى مصر والتزاماتها الإقليمية حيال أشقائها وجيرانها، لكن الأمر يبدو مختلفاً فى هذه الآونة عما اعتادته مصر على الأقل طيلة الخمسين سنة الفائتة، ما قد يشكل ضغطاً شديداً، ولو إلى حين، على محاولة المواءمة بين ما يطلبه الأهل وما ينتظره الجيران. فالآن هناك ظرفان متزامنان يؤثران بقوة فى أى رؤى وتصورات وتدابير ترمى إلى عدم إخلال مصر بواجباتها حيال العالم العربى، أخذاً ورداً، وفى إطار «الاعتماد المتبادل» بغض النظر عن تفاوت نسبته بينها وبين الدول الأخرى، وفى الوقت نفسه قيامها بتحقيق ما يحتاجه شعبها وهو كثير، وطال أمد الانتظار. وهذان الظرفان هما على وجه التحديد:

1 - طفرة هائلة فى التوقعات أو التطلعات أعقبت ثورة 25 يناير، واتسعت أرجاؤها وتعمقت، وهى تدور فى مجملها حول تحقيق العدل الاجتماعى وإنهاء الظلم والقهر والإهانة وتعزيز حرية التفكير والتعبير والتدبير والقضاء على الفساد وترسيخ الديمقراطية بإجراءاتها وقيمها وممارساتها، وهى تنبع فى مجملها من المبادئ أو الشعارات العامة للثورة.

وإذا كانت قطاعات من الشعب لم تشارك فى «يناير»، فإن مشاركتها فى «يونيو»، وهى مسألة ما كان لها أن تتم لولا انطلاق الثورة الأولى، خلقت لديها شعوراً بالاقتدار السياسى والإيجابية فى المطالبة بالحقوق المادية والمعنوية معاً. وإذا كانت بعض أركان السلطة التى نشأت عقب ثورة 30 يونيو قد تدرك عكس ذلك، فإن إدراكها هذا لا ينبنى على أساس علمى سليم، إنما هو نابع من تقدير خاطئ بأن هناك حالة تخلٍّ عام عن الفعل الثورى بدعوى أنه قد يفتح أبواب الفوضى أو يضع الدولة على فوهة الخطر، لا سيما فى ظل التجربة القاسية لحكم جماعة الإخوان، وكذلك المنحنى الوعر الذى انجرفت إليه ثورات عربية أخرى. ففى الحقيقة فإن القاعدة الشعبية العريضة لم تعُد راغبة فى أى انزلاق إلى العنف ولا يمكنها أن تناصر الإرهاب، لكن فى الوقت ذاته ليس بوسعها التنازل عن مطالبها، لأنها مستحقة وضرورية أولاً، ومرفوعة فى وجه السلطة منذ زمن طويل ثانياً، وتحظى باتفاق عام، حتى ولو اضطر الناس إلى القبول بالتدرج فى تحقيقها متبعين طريق الإصلاح وليس الثورة، التى تفرض تغييراً جذرياً وعميقاً وفى زمن وجيز. وثورة التوقعات تلك لا يمكن الاستجابة لها بعيداً عن وضع وتنفيذ عملية تنمية شاملة، اقتصادية واجتماعية وسياسية وثقافية، لا تقتصر على جانب وتهمل البقية، وبوسعها أن ترتب الأولويات من حيث مدى الاهتمام وحجم الأموال والجهد الذى من الضرورى بذله بغية تحقيقها، لكن من الضرورى أن تمضى مصر فى كل هذه المجالات أو المسارات على التوازى وليس على التوالى كما يروج البعض الآن.

2 - حالة اضطراب فى المحيط الإقليمى لمصر، بصورة غير مسبوقة منذ انطلاق حركات التحرر الوطنى ضد الاستعمار الأجنبى إبان ثورة يوليو 1952، مع الأخذ فى الاعتبار أن تلك الحركات كانت تسير بالعالم العربى نحو التوحد والتآزر فى الغالب الأعم، لا سيما قبل الدخول إلى «الحرب العربية الباردة» فى ستينات القرن العشرين بين مصر والمملكة العربية السعودية. أما هذه المرة فإن غياب الاستقرار يصاحبه نزوع إلى التفكك والانقسام الذى يأتى فى ركاب شحن طائفى وأنماط من الحرب الأهلية أو وقوف على أبوابها، وحالات من التباعد الكبير بين السلطة والمجتمع، وثغرات واسعة تسمح للقوى الخارجية بأن تدس أنفسها فى شئون العرب.

والنقاش السياسى فى مصر أصبح منصرفاً بقوة إلى تشخيص هذا الوضع، وتفسير تأثيراته على الأوضاع الداخلية، بصيغة تتراوح بين تقديرات حقيقية وأخرى جزافية، والأخيرة إما ناجمة عن مخاوف أو هواجس عميقة حيال تماسك الدولة والمجتمع فى ضوء ما حدث فى مجتمعات عربية أخرى شهدت انتفاضات وثورات، أو ناتجة عن توظيف السلطة لهذه الحالة فى إعلاء «الأمنى» على ما عداه، ودفع المجتمع إلى زاوية الرضا بالمتاح، إلى درجة أن المواطن العادى فى مصر بات يردد من دون توقف: «الحمد لله لم نصل إلى حالة العراق أو سوريا»، وما زاد الطين بلة فى هذا الاتجاه هو ظهور «داعش» واستيلاؤها على أجزاء من هاتين الدولتين وتهديد المحيط الإقليمى كله، بالتزامن مع تعرض مصر لموجة إرهابية جديدة تستهدف مؤسسات الدولة والمجتمع على حد سواء.

(ونكمل غداً إن شاء الله)

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مصر والعرب الآن 1  4 مصر والعرب الآن 1  4



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 08:36 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

تركيا تشن حرباً اقتصادية من أجل الاستقلال!

GMT 08:33 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيران: تصدير النفط أم الثورة؟

GMT 08:30 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

براً وبحراً والجسر بينهما

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 14:16 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج القوس الخميس29-10-2020

GMT 16:15 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

النزاعات والخلافات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 16:45 2019 الخميس ,04 إبريل / نيسان

أبرز الأحداث اليوميّة عن شهر أيار/مايو 2018:

GMT 17:32 2019 السبت ,30 آذار/ مارس

آمال وحظوظ وآفاق جديدة في الطريق إليك

GMT 18:26 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الميزان الإثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 18:11 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر بيوم مناسب لك ويتناغم مع طموحاتك

GMT 10:44 2013 الثلاثاء ,09 إبريل / نيسان

شرش الزلّوع منشط جنسي يغني عن الفياغرا

GMT 14:55 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

يحذرك من ارتكاب الأخطاء فقد تندم عليها فور حصولها

GMT 18:34 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia