فكر ثقيل وعلم خفيف 12

فكر ثقيل وعلم خفيف (1-2)

فكر ثقيل وعلم خفيف (1-2)

 تونس اليوم -

فكر ثقيل وعلم خفيف 12

عمار علي حسن

يبدأ العلم بالتفكير، لكنه قد يفارقه إلى ما هو أبعد، محاولاً أن يضبط الفكر، وينقله من حالات التخيل والتمثل والانطباع والتصور والافتراض إلى حالة البرهان والتثبت أو ما هو أقرب إليهما فى العلوم الإنسانية على وجه التحديد، عبر استخدام العديد من الأدوات والاقترابات والمناهج العلمية، سواء ما تعتمد على التحليل الكيفى أم الكمى، أو تزاوج بينهما، لتحقيق الوظائف الرئيسية للبحث العلمى وهى جمع المتفرق، وتجلية الغامض، وتفسير المختصر، واختصار المسهب، ونقد السائد، وإبداع الجديد.

وكثير مما تطرحه الجماعة البحثية العربية فى مختلف العلوم الإنسانية هو أقرب إلى الفكر منه إلى العلم. وهذه مسألة مألوفة فى أغلب الندوات والمؤتمرات وورش العمل وحلقات النقاش وظاهرة عياناً بياناً على صفحات الدوريات المتخصصة فى الإنسانيات. فالباحثون العرب يتنادون إلى حضور ملتقيات ومنتديات علمية يقضونها فى إنتاج خطابات لغوية متنوعة، وطرح أفكار مختلفة المشارب والاتجاهات، ويدعون إلى الكتابة فى الدوريات والصحف فلا يفارقون هذه الطريقة كثيراً، متخففين من أعباء وشروط يفرضها العلم على أصحابه، ولا يستقيم بدونها.

ومثل هذا الوضع يؤدى إلى عدة نتائج سلبية تلقى بظلال كثيفة على مسيرة العلم والفكر معاً فى بلادنا، لأنها تجعلنا نسير فى المحل أو نتقدم ببطء على الأكثر فى مسيرتنا العلمية والفكرية، الأمر الذى يقلل من قيمة وقامة إنتاجنا المعرفى، كما أن هذه الآفة تضيع علينا فرصة اختبار المقولات التى نتداولها بعد التحقق من معلوماتنا ومن ثم استبعاد ما يثبت خطؤه، وتثبيت ما ينجلى برهان على صوابه، بما يدفع المعرفة بمناهجها ونظرياتها إلى الأمام. بل إن هذا العيب يتسبب فى إبعاد العلم والفكر عن خدمة الواقع المعيش، لأنها تقتصر فى الغالب الأعم على المسائل النظرية، ولا تنتقل منها إلى الإجرائى والتطبيقى، الذى يشتبك مع المشكلات الحياتية ويسعى إلى إيجاد حلول لها.

وعلينا أن نعى فى هذا المقام أن المنتج أو الكتابة العلمية ليست بالضرورة هى تلك التى يشبعها صاحبها ببعض أمور شكلية توهم من يطلع عليها أنها محكمة ودقيقة من الناحية العلمية، فكثير من الأبحاث تستعين ببيانات وأشكال توضيحية من رسوم بيانية وجداول وخرائط وصور ومعادلات رياضية لكنها تفتقد إلى العلمية، لأنها تنطلق من انحيازات مسبقة وتقع فى فخ الأيديولوجيات السائدة، وأحياناً تنطوى على نوع من التلفيق والكذب.

وهناك كتابات تخلو من هذه الأشكال والأرقام التى تنصرف إلى العلم فور رؤيتها، ومع هذا فإنها تسلك طريقاً علمياً لا تحيد عنها، عبر استعمال منهج دقيق فى إثبات الافتراضات، والإجابة عن التساؤلات، وتقليص مساحة الشك إلى أدنى قدر ممكن، وتعزيز الحجة إلى أقصى درجة ممكنة، والانتصار للحقيقة والحق ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً.

من هنا، فإن العبرة تكون بالمخبر وليس بالمنظر، وبالتدقيق وليس بالتلفيق، وبتوفيقنا فى أن نعثر على الأداة البحثية الناجعة، أو الأكثر كفاءة، فى دراسة الظواهر التى نتصدى لها، ثم نحسن استعمالها فى جمع المعلومات والبيانات، وتبويبها وتصنيفها، ثم استدعائها تباعاً لخدمة مسار البرهنة، وبعدها عرض النتائج التى انتهينا إليها، كما هى، ومن دون افتئات أو تدخل بالتأويل أو الوصف والتحليل.

(ونكمل غداً إن شاء الله تعالى)

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

فكر ثقيل وعلم خفيف 12 فكر ثقيل وعلم خفيف 12



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 08:36 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

تركيا تشن حرباً اقتصادية من أجل الاستقلال!

GMT 08:33 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيران: تصدير النفط أم الثورة؟

GMT 08:30 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

براً وبحراً والجسر بينهما

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 14:16 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج القوس الخميس29-10-2020

GMT 16:15 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

النزاعات والخلافات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 16:45 2019 الخميس ,04 إبريل / نيسان

أبرز الأحداث اليوميّة عن شهر أيار/مايو 2018:

GMT 17:32 2019 السبت ,30 آذار/ مارس

آمال وحظوظ وآفاق جديدة في الطريق إليك

GMT 18:26 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الميزان الإثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 18:11 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر بيوم مناسب لك ويتناغم مع طموحاتك

GMT 10:44 2013 الثلاثاء ,09 إبريل / نيسان

شرش الزلّوع منشط جنسي يغني عن الفياغرا

GMT 14:55 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

يحذرك من ارتكاب الأخطاء فقد تندم عليها فور حصولها

GMT 18:34 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia