عقد اجتماعي عربي جديد

عقد اجتماعي عربي جديد

عقد اجتماعي عربي جديد

 تونس اليوم -

عقد اجتماعي عربي جديد

عمار علي حسن

إذا كان فلاسفة العقد الاجتماعى فى أوروبا قد وضعوا محددات للعلاقة بين الجماهير والسلطة، كانت أحد الأسس المهمة، التى قامت عليها الديمقراطية الغربية الحديثة، فإن الدكتور غسان سلامة يريد للعرب أن يمروا من البوابة ذاتها، فاقترح قبل ثلاثين عاماً عقداً اجتماعياً جديداً، يقوم على خمس ركائز رئيسية، لكن أحداً لم يلتفت إليه، وجرت فى النهر مياه كثيرة، لكن ما طرحه لا يزال قابلاً للنظر، فهل تفعل ذلك جامعة الدول العربية مع أمينها العام الجديد؟

تقوم الركيزة الأولى من تصور «سلامة» على فكرة الوطنية، التى يتعامل معها على أنها «روح إيجابية»، ويرى أن التاريخ العربى يميل إلى العصبية، ويهتم بهوية من على الأرض أكثر من هوية الأرض ذاتها، ومن ثم تجاهل الوطن، خاصة أن التعلق بعالمية الدين الإسلامى تم فى ظل تجاهل مضاعف للوطنية، ولم يقتصر هذا الموقف على الرؤية الإسلامية فحسب، فى نظر سلامة، بل إن القوميين لم يكونوا أكثر رفقاً بفكرة الوطنية، حيث إنهم لا يتحدثون عن دولة وطنية، بل يطلقون عليها دولة قطرية، كانت دائماً موضعاً للقدح لديهم. ولم يختلف الماركسيون والليبراليون، ولا طبعاً الانفصاليون العرب، فى موقفهم منها، إذ يعتبرونها شكلاً سياسياً غير مناسب للشعب العربى.

وتدور الركيزة الثانية حول الفكرة العربية، وهنا يلاحظ «سلامة» أن هناك تراجعاً لا يمكن تجاوزه أو إنكاره عن المقولات التقليدية للفكر القومى العربى، التى أثبتت عقمها وجفافها، ويطالب بتحرير الفكرة العربية من السجال الدائر بين أنظمة الحكم، التى تتخذ منها «ديناً سياسياً»، لإضفاء بعض الشرعية على سياساتها، ويؤكد أن تأسيس هذه الفكرة على شرعية عقلانية تنشد «المصلحة» ليس أمراً وضيعاً، بل هو الطريق الأقرب إلى الواقع العملى، والأكثر عقلانية بالنظر إلى الحالة التى عليها العرب فى الوقت الراهن، أما الركيزة الثالثة فتتعلق بالفكرة الديمقراطية، ويحدد سلامة دربين للوصول إليها، أو تجذيرها فى المجتمع، الأول قريب المدى، ويتمثل فى الدفاع عن السجناء السياسيين والمثقفين المضطهدين، ومقاومة قمع الأنظمة المستبدة، والثانى بعيد المدى، ويتم عبر تغيير جذرى للثقافة السياسية العربية، بما ينقلها من النظر إلى السياسية كممارسة للغلبة، إلى التعامل معها كعملية صنع قرار يشارك فيها الجميع بأساليب محددة.

وترتبط الركيزة الرابعة بحقوق الأفراد والجماعات، حيث الحاجة الملحة إلى تأصيل مفاهيم وقواعد هذه الحقوق، وليس الاكتفاء بنقلها من ثقافة أخرى، أو البحث فى النص الدينى والتراث عما يتوافق معها. وهذا التأصيل يقتضى إيجاد مقاربة فلسفية أنثروبولوجية لهذه المفاهيم، من خلال التعمق فى عطائنا الحضارى، وعدم الاقتصار على الجانب القانونى منها. وعلينا فى الوقت الذى نفكر فيه بحقوق الأفراد، ألا ننسى، ولو فى مرحلة انتقالية طويلة، حقوق الجماعات. أما الركيزة الخامسة، فتتمثل فى تحديد المضمون الاجتماعى للعقد الاجتماعى، والذى يقوم على انسياب الأفراد والثروات عبر الحدود العربية، وعدم إغفال التفاوت الطبقى داخل الدول العربية، والفجوة فى الثروات بين دولة وأخرى. والتمسك بالعدل الاجتماعى لا يعنى تجاهل أن قدراً واسعاً من الحرية الاقتصادية أمر ضرورى لإعطاء المجتمع المدنى قدرا من الاستقلالية فى مواجهة تسلطية الدولة، مع أخذ الاحتياطات اللازمة التى تحول دون تحول هذه الحرية إلى استغلال واحتكار.

ويلاحظ على هذه الرؤية أنها ذات طابع «توفيقى»، و«ومتوازٍ» بين العديد من الثنائيات» إذ إنها على مستوى الهوية، تمدح الروح الوطنية، وتنزع عنها أى رداء سلبى حاول مناهضوها أن يلبسوها إياه، لكنها فى الوقت ذاته، لا ترفض «القومية» التى تتأسس على المصالح، وليس الشعارات الجوفاء، أو الأحلام التى من الصعب تحققها. وعلى مستوى الحقوق تنادى بتوفير حقوق الفرد، لكنها لا ترفض حقوق الجماعات، وفيما يتعلق بالمضمون الاجتماعى، تنادى بالعدل الاجتماعى، الذى لا يقتل فى تطبيقه الحافز الفردى، ولا تقبل الحرية الاقتصادية التى تتحول إلى عمل احتكارى. وتنتقل من التفاوت الطبقى داخل كل دولة على حدة إلى التفاوت فى الثروات بين الدول، الأمر الذى انعكس على العديد من مؤشراتها الاقتصادية ومختلف أحوالها الاجتماعية.

وهذه الرؤية تزاوج بين أسلوبين للعمل من أجل الديمقراطى، وتطرحهما فى شكل متوازٍ، وليس فى صيغة مرحلية، إذ إننا فى الوقت الذى نتخذ فيه الإجراءات قصيرة الأمد فى سبيل تحقق الديمقراطية، علينا أن نبنى طرقاً طويلة الأمد لبلوغ هذا الهدف. وهنا نجد أننا بصدد (الفرد/ الجماعة الوطنية/ القومية الحرية الاقتصادية/ العدل الاجتماعى الدولة/ المجتمع المدنى) فى رؤية سلامة، لكن هذه الثنائيات لا توجد لديه فى وضع المتناقضات أو المتقابلات، بل تربط بينها علاقات تجعل التوفيق بينها يبدو أمراً ضرورياً، حتى ولو كان ذلك بإيجاد قنوات اتصال بين الاشتراكية والرأسمالية، تجعل الاستفادة من محاسن كل منهما مسألة واردة وممكنة.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عقد اجتماعي عربي جديد عقد اجتماعي عربي جديد



GMT 16:29 2021 الجمعة ,24 أيلول / سبتمبر

تواريخ سبتمبر ورجاله

GMT 05:28 2021 الأحد ,05 أيلول / سبتمبر

الإمباير ستيت تمر من هنا

GMT 14:30 2021 الخميس ,08 إبريل / نيسان

أوكرانيا مفتاح روسيا إلى المتوسط

GMT 14:06 2021 السبت ,20 آذار/ مارس

هل استسلم إردوغان؟

GMT 12:06 2021 الإثنين ,08 شباط / فبراير

4 مليارات ثمن 12 بيضة

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 18:47 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الدلو الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 18:38 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج القوس الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 14:13 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج العقرب الخميس 29 -10 -2020

GMT 14:08 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج العذراء الخميس 29-10-2020

GMT 15:33 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

يبشّر هذا اليوم بفترة مليئة بالمستجدات

GMT 18:18 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الأسد الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 16:31 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

فرص جيدة واحتفالات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 18:23 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر مع تنافر بين مركور وأورانوس
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia