خيارات الشيعة العرب 1 2

خيارات "الشيعة العرب" (1 -2)

خيارات "الشيعة العرب" (1 -2)

 تونس اليوم -

خيارات الشيعة العرب 1 2

عمار علي حسن

فى ريعان شبابه، وقبل أن تملأ إبداعاته الأسماع والأبصار، ذهب الشاعر العراقى الكبير محمد مهدى الجواهرى، ليتسلم وظيفة مدرس ابتدائى، لكن المفكر القومى الكبير ساطع الحصرى، وكان مسئولاً عن التعليم فى العراق آنذاك، رفض طلبه، ورده خاسراً، لأن الجواهرى، شأنه فى هذا شأن العديد من العشائر والعائلات الشيعية، كان يرفض التقدم بطلب للحصول على الجنسية العراقية، ويفضل «الجنسية الإيرانية» بدعوى أنها تحميه من بطش العثمانيين «السُّنة» وضرائبهم الباهظة، وتجنيدهم الإجبارى، وهكذا بدأ كثير من العراقيين يتحولون من «التسنن» إلى «التشيع».

هذه الواقعة العارضة سُلطت عليها عدسة مقعرة، فساحت فى الزمان والمكان، وبدت لدى كثيرين، ممن لم يكلفوا أنفسهم عناء البحث والتحرى، ملخصاً وافياً لموقف الشيعة العرب من «القومية»، بل من الانتماء والولاء لأقطارهم التى يعيشون على أرضها، ويستظلون بسمائها، لكن الحقيقة التى تقوم على معرفة ما جرى قبل واقعة الجواهرى وبعدها، تقول بجلاء ووضوح إن مثل هذه الانطباعات خاطئة، وجائرة فى الوقت نفسره. أو هكذا كانت حتى تمكنت إيران من رقبة العراق، وحولت احتلال أمريكا له إلى احتلال إيرانى ناعم بذاته، وخشن بسياسة الأتباع فى بلاد الرافدين.

فى حقيقة الأمر، فإن التشيع فى العالم العربى سابق على التشيع فى إيران ومختلف عنه فى كثير من التصورات والتصرفات، فالتشيع لسيدنا علىّ بن أبى طالب، كرم الله وجهه، فى جزيرة العرب بدأ قبل دخول الفُرس الإسلام. وفى هذا الوقت كانت إيران مجوسية. فلما فتح المسلمون العراق وفارس، مالت قبائل عربية هناك إلى اعتناق التشيع، بينما ظلت الغالبية الكاسحة من الإيرانيين تعتنق المذهب السُّنى، باستثناء قم، إلى أن تم تحويلهم قسراً سنة 1500 م حين أُعلن التشيع مذهباً رسمياً للدولة الصفوية، بل إن الشيعة لم يصبحوا أكثرية فى العراق إلا فى القرن التاسع عشر، حين استقرت معظم القبائل البدوية على أرض الرافدين، وتشيعت.

من الناحية النظرية، هناك خلاف بلا شك، يتجسد أساساً حول المرجعيات، إذ يعتز غالبية الشيعة فى العراق بإمامة النجف الأشرف، باستثناء أتباع «المجلس الأعلى للثورة الإسلامية» الذين خضعوا لمؤثرات إيرانية، فى السياسة والمذهب الدينى.

وإذا كان المراجع الكبار لشيعة العراق، مثل: آيات الله على السيستانى ومحمد إسحاق فياض، وحسين بشير الأفغانى، ومحمد سعيد الحكيم، من أصول إيرانية، فإن مسلكهم يختلف كثيراً عن نظرائهم فى إيران، من زاوية ابتعادهم عن لعب أى دور سياسى، وتفرغهم للمسائل الدينية البحتة. وإذا كانت اجتهادات وسلوك الإمام محمد صادق الصدر اقتربت من شيعة إيران فى الإيمان بمبدأ الولاية العامة للفقيه، فإنه أقام هذا الفهم على أرض مختلفة، إذ لعب دوراً كبيراً فى بلورة الهوية العربية لشيعة العراق، عبر إنشاء الحوزة الناطقة، التى أنزلت رجال الدين من برجهم العاجى، ليعايشوا الناس، ويقفوا على أفراحهم وأتراحهم، وكذلك من خلال تقريب الحوزة والمرجعية من القبائل والعشائر العربية، وإحياء شعيرة الجمعة بعد طول إغفال، تحت شعار راسخ فى أذهان شيعة العراق، وهو «نعم نعم للحوزة.. نعم نعم للجمعة».

وجاءت الحرب العراقية - الإيرانية التى دارت رحاها من 1980 إلى 1989 لتظهر متانة الانتماء الوطنى لشيعة العراق، إذ شكلوا أغلبية جنود سلاح المشاة، وقاتلوا الإيرانيين بضراوة دفاعاً عن بلدهم، جنباً إلى جنب مع أتباع المذهب السنى. وكان «الصدر» يرى أن الشروط الاقتصادية والسياسية التى تقف وراء الثورة الإيرانية غير متوفرة فى العراق، ويدعو الناس إلى الإخلاص لوطنهم.

وسعى الإمام موسى الصدر إلى بلورة هوية خاصة للتشيع فى لبنان، رغم تأثره بالتجربة الإيرانية ومواءمة التجربة الشيعية العراقية مع نظام سياسى مستبد مع انحيازه إلى قضايا العروبة، وفى مقدمتها قضية فلسطين. وحاول الصدر التوفيق بين المذاهب الإسلامية، وانحاز بشدة إلى الانتماء العربى للبنان، ودوره فى الصراع ضد إسرائيل، وسخّر فى هذا منظومة القيم الدينية الشيعية، مثل التضحية بالمال والنفس ومساندة المحرومين. ودافع فى طروحاته عن وجهة نظر تؤكد أنه لا تعارض بين خصوصية لبنان وقوميته العربية، ولا تنافر بين التشيع والانتماء للعروبة. وشهدت هذه الأفكار وغيرها طريقها إلى تطبيق عملى، تجسد فى كفاح «حزب الله»، وحركة «أمل» فى لبنان ضد إسرائيل، حتى أُجبرت على الخروج الذليل من جنوب لبنان فى مايو 2000، ثم الصمود الأسطورى فى وجهها خلال حرب صيف عام 2006، قبل أن يفسد الأمر برهن إرادة قطاع من اللبنانيين لمشيئة إيران، وإظهار ذلك بعد طول مواراة ومداراة، بل والتباهى به.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

خيارات الشيعة العرب 1 2 خيارات الشيعة العرب 1 2



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 08:36 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

تركيا تشن حرباً اقتصادية من أجل الاستقلال!

GMT 08:33 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيران: تصدير النفط أم الثورة؟

GMT 08:30 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

براً وبحراً والجسر بينهما

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 14:16 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج القوس الخميس29-10-2020

GMT 16:15 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

النزاعات والخلافات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 16:45 2019 الخميس ,04 إبريل / نيسان

أبرز الأحداث اليوميّة عن شهر أيار/مايو 2018:

GMT 17:32 2019 السبت ,30 آذار/ مارس

آمال وحظوظ وآفاق جديدة في الطريق إليك

GMT 18:26 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الميزان الإثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 18:11 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر بيوم مناسب لك ويتناغم مع طموحاتك

GMT 10:44 2013 الثلاثاء ,09 إبريل / نيسان

شرش الزلّوع منشط جنسي يغني عن الفياغرا

GMT 14:55 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

يحذرك من ارتكاب الأخطاء فقد تندم عليها فور حصولها

GMT 18:34 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia