حتى لا يعمى القلب

حتى لا يعمى القلب

حتى لا يعمى القلب

 تونس اليوم -

حتى لا يعمى القلب

عمار علي حسن

«أن تكون أعمى».. ما أصعب هذا الشعور.. أن تفقد القدرة على أن ترى الأشياء من حولك، ألا تعرف أى طريق يمكن أن تسلك، وأى مكان يمكن أن تأمن، وإلى أين تذهب! لم أعرف فى حياتى إحساساً أصعب من هذا. ربما لهذا السبب لم يفزعنى كابوس غيره طيلة حياتى، فهو شعور يدخلك فى حالة التوهة والترقب والخوف التى نهرب منها جميعاً. قد تكون مثلى صادفته فى العمل مع كل الضغوط التى تتحملها، وقد تكون عشته فى الغربة حين لا تعرف أين أنت وإلى أين تسير بك أيامك فى هذا البلد الغريب، وقد تكون صادفته فى العائلة، كلما تصادمت إمكانيات حياتك مع رغباتك، أما توهة القلب يا عزيزى -رحمنا الله منها- فهى الأعظم أثراً والأثقل حِملاً بكل تأكيد، فنحن نمشى إلى هذه الحالة بكامل رغبتنا ومعرفتنا.. تذهب إليها يا صديقى راجياً متعة الحياة وانتشاء القلب.. تهرول إليها فتسلم مفاتيحك، وتنكس راياتك، فقط فى مقابل أن تكتشف لذة هذا اللغز المحيّر المسمى «الحب». عندها، حيث تنظر فى المرآة وأنت مبتسم رغم أنك ترى ملامح الإجهاد على قلبك، أعرف أنك فى هذه الحالة تغفر وتسامح وتغمض عينيك بإرادتك عن كل ما لا يوافق هواك أو أمانيك وأحلامك حول رفيق العمر، فالفأس الآن فى عمق الرأس، وأنت تحب يا صديقى، سأثبت لك كيف ومتى تحديداً تصبح حالة من العمى والتوهة.. ولكن عليك أن تقول لى الآن كم مرة دفعتك حالة قلبك هذه إلى إيجاد ألف عذر لأخطاء غير مبررة وغير مقبولة ممن تحب حتى قبل أن ينطق هو، وقبل أن تسأل أنت.. نعم، فأنت تسامح لأنك لا تريد إلا أن يبقى.. أنت ترفض أن ترى الحقيقة لأنك باختصار ترفض رحيله هو.. أنت تحاول أن تجد صيغة مشروعة بعفوك لبقاء قلبك فى حاله استمرار لحب هذا الشخص. أعلم أنك فى هذه الحالة أيضاً تتخيل أنه سيقدّر قيمة عفوك يوماً، ولكن عليك أن تنتبه، فالنتيجة قد تكون صادمة، فقيمة العفو الحقيقية يا صديقى ليست فيه هو ذاته وإنما فى أن تضعه فى مكانه الصحيح. ألا تسلب النور من عينك والمنطق من عقلك عندما يعلو صوت القلب ليس بالشىء السهل إطلاقاً.. ولكنه ضرورى فى نجاح حياتك، فلا تَنْسَهُ. عندما تتألم وحدك فى صمت لا تنتظر أن يشعر بك، لأنك باختصار تمنحه ابتسامتك وتخرج له عباءة أعذارك المجهزة له سلفاً، وتغرقه بنعمة عفوك.. لا شىء سيتغير إذن. أنا فعلاً لا أذكر كم مرة سمعت هذا السؤال من المحيطين بى: لماذا يعتقد الآخرون أننا عندما نمنحهم عفونا أننا ضعفاء وأننا نفعل ذلك من باب عدم وجود اختيار آخر؟! الحقيقة أنا على العكس تماماً، أعلم يقيناً أن العفو منتهى القوة، وليس بمقدور أى إنسان أن يعفو إلا إذا كان حرًّا. ولكن العفو يا صديقى له حدّ، وعندما يخرج على حدّه يدخلك أنت فى الغرفة المظلمة التى ستتدرج فيها فى مراحل العمى الطوعى نتيجة حبّك لهم.. عليك أن تنتبه أيها الطيّب، فإن كان حالك هكذا فستصل إلى الباب المغلق قريباً، هذا الباب الذى ستبكى خلفه وحدك ولن تجد هناك من سيربت على كتفيك. تعلّم كيف تعفو وتعلّم أيضاً كيف تحاسب يا صديقى قبل أن تمنح عفوك. لا تتغاضَ عن الأخطاء بدافع حبّك لهم، أنت تدمّر هذا الحب هكذا.. واجه بلين، فقد يكونون ممن يستحقون العفو، فمنهم من أخطأ سهواً، ومنهم من دفعته الظروف التى لم تعلمها بعد. استمع إليهم جيداً وحلل ما يقولونه أمامك، اختبر صدق ما يقوله من عينيه وبعدها اتخذ قرارك. إن أردت أن تراجع قائمة من تمنحهم عفوك الآن، فأرجوك أسرع ولا تتردد، تناول ورقة وقلماً، اجلس فى غرفتك، أحكم إغلاقها، وواجه نفسك. اكتب بخط واضح مَن يستحق عفوك من المحيطين بك ومَن هذا الذى أجهدك ولا أمل فى أن يشعر بما تفعله من أجل أن تتمسك به.. انظر إلى الأسماء جيداً، وقرر أن هؤلاء الذين يجهدون قلبك النبيل لم يعد لهم مكان فيه. خُذ نفَساً عميقاً.. وتذكّر: ليس عليك الآن إلا أن تنفّذ قرارك.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حتى لا يعمى القلب حتى لا يعمى القلب



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 08:36 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

تركيا تشن حرباً اقتصادية من أجل الاستقلال!

GMT 08:33 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيران: تصدير النفط أم الثورة؟

GMT 08:30 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

براً وبحراً والجسر بينهما

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 14:16 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج القوس الخميس29-10-2020

GMT 16:15 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

النزاعات والخلافات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 16:45 2019 الخميس ,04 إبريل / نيسان

أبرز الأحداث اليوميّة عن شهر أيار/مايو 2018:

GMT 17:32 2019 السبت ,30 آذار/ مارس

آمال وحظوظ وآفاق جديدة في الطريق إليك

GMT 18:26 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الميزان الإثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 18:11 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر بيوم مناسب لك ويتناغم مع طموحاتك

GMT 10:44 2013 الثلاثاء ,09 إبريل / نيسان

شرش الزلّوع منشط جنسي يغني عن الفياغرا

GMT 14:55 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

يحذرك من ارتكاب الأخطاء فقد تندم عليها فور حصولها

GMT 18:34 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia