الأدب والمجتمع والاقتصاد 5 6

الأدب والمجتمع والاقتصاد (5- 6)

الأدب والمجتمع والاقتصاد (5- 6)

 تونس اليوم -

الأدب والمجتمع والاقتصاد 5 6

عمار علي حسن

وإذا كانت الظروف الاقتصادية قد ساهمت فى توفير الشروط الموضوعية لميلاد جنس أدبى مهم، هو الرواية، فإن الاقتصاد استمر فى لعب دور ملموس بالنسبة للأدب. فعلى سبيل المثال لا الحصر، فإن شعراء العامية، فى عالمنا العربى، يهجرون هذا اللون من الأدب، نظراً لعدم إقبال المجلات الثقافية على نشره، ويلجأون لكتابة القصائد الفصحى، سواء كانت نثرية أم عمودية، حتى يحصلوا على مقابل مادى لإنتاجهم الأدبى. وينطبق هذا الأمر أيضاً على القصة القصيرة، فنظراً لاعتبارات المساحة، فإن فرصة نشرها تبدو أكبر بكثير من فرصة نشر الرواية، ولذا يُقبل الروائيون عليها، أحياناً، طلباً للرزق).

وهذا الوضع ليس مقصوراً على العالم العربى، ففى مطلع القرن التاسع عشر اضطر كتَّاب أمريكيون إلى كتابة القصة القصيرة بدلاً من الرواية؛ لأن الناشرين لم يكونوا مقيدين بأى حقوق تجاه المؤلفين، ولذا فضلوا إعادة طبع آلاف النسخ من الأدب الإنجليزى، بدلاً من نشر أعمال الأدباء الأمريكيين، وذلك سعياً وراء الربح الطائل. ومن هنا فإن الوضع المادى يتدخل فى رواج شكل أدبى معين على حساب الأشكال الأدبية الأخرى.

ووفق هذا المنظور أسهب كثير من النقاد فى التعامل مع النص الأدبى على أنه سلعة ينتجها الأدباء، ويوزعها الناشرون، ويستهلكها القراء. ومن ثم تبدو الأعمال الأدبية، فى تقدير هؤلاء، مشروعات اقتصادية تخضع لقانون السوق، القائم على العرض والطلب، والربح والخسارة، وتحتاج إلى الدعاية، وتخصص لها واجهات تعرضها، شأنها فى ذلك شأن البضائع المادية. وهنا يقول الناقد الإنجليزى الكبير تيرى إيجلتون: «الأدب وإن كان مهارة، أو نتاجاً لوعى اجتماعى، أو عالماً من الرؤية، فإنه صناعة أيضاً، ذلك لأن الكتاب ليس مجرد بنية لمعنى، بل هو فضلاً عن هذا سلعة.. وليس المسرح، مثلاً، مجموعة من النصوص الأدبية فحسب، بل هو أيضاً عمل رأسمالى، يشارك فيه أناس (مؤلفون، ممثلون، مخرجون، عمال مسرح) لإنتاج سلعة يستهلكها المشاهد. وليس النقاد مجرد محللى نصوص، فهم أكاديميون، تستأجرهم سلطة؛ لإعداد الطلاب أيديولوجياً؛ من أجل أداء وظيفة داخل المجتمع الرأسمالى. وليس المؤلفون مجرد نقَلة للأبنية العقلية المجاوزة للفرد فحسب، بل هم عاملون تستأجرهم دور النشر لإنتاج سلعة رائجة فى السوق أيضاً».

وقد أدى النظر للنص الأدبى على أنه سلعة إلى ظهور حديث عما يمكن أن يسمى بنمط الإنتاج الفنى، كجزء من نمط الإنتاج العام، وكذلك الحديث عن «رأس المال الثقافى»، الذى يمثل الاقتصاد السياسى للثقافة، أى تأثير الثقافة فى النظام الاقتصادى والسياسى للمجتمع. ففى السنوات الأخيرة ازداد الاعتراف بقيمة «صناعة الثقافة»، وبالمنافع المترتبة، بطريقة مباشرة وغير مباشرة، على وجود المؤسسات الثقافية، ودورها المتنامى فى الاقتصاد الوطنى، سواء من ناحية التعامل مع الإنتاج الثقافى، بما فيه الإنتاج الأدبى، على أنه سلعة يمكن أن تدر دخلاً للدولة، أو من ناحية النظر إلى الدور الذى تقوم به الثقافة فى تحسين الظروف الاقتصادية للمجتمع، من خلال تأكيدها على الهوية الوطنية والانتماء، وما يتبع ذلك من نشر الوعى بقيمة العمل، وأهمية ترشيد الاستهلاك، وزيادة الاستثمار.. إلخ، أو حتى من خلال استخدام الفن فى الدعاية لسلعة ما. 

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الأدب والمجتمع والاقتصاد 5 6 الأدب والمجتمع والاقتصاد 5 6



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 08:36 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

تركيا تشن حرباً اقتصادية من أجل الاستقلال!

GMT 08:33 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيران: تصدير النفط أم الثورة؟

GMT 08:30 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

براً وبحراً والجسر بينهما

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 18:47 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الدلو الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 18:38 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج القوس الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 14:13 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج العقرب الخميس 29 -10 -2020

GMT 14:08 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج العذراء الخميس 29-10-2020

GMT 15:33 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

يبشّر هذا اليوم بفترة مليئة بالمستجدات

GMT 18:18 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الأسد الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 16:31 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

فرص جيدة واحتفالات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 18:23 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر مع تنافر بين مركور وأورانوس
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia