الأدب وأحوالنا الاجتماعية

الأدب وأحوالنا الاجتماعية

الأدب وأحوالنا الاجتماعية

 تونس اليوم -

الأدب وأحوالنا الاجتماعية

عمار علي حسن

ليس من المقبول أن يصبح الأدب وعظاً أو أيديولوجية أو منشوراً سياسياً، لكن فى نصوصه ظلالاً لمسائل اجتماعية وسياسية. وقد فطن علماء العرب، فى اللغة والأدب والاجتماع والفلسفة، إلى أن ما بين أيديهم من قصائد وشهادات وخواطر نثرية تنطوى، إلى جانب الجمال والذوق الرفيع، على قيم وقرت فى نفوسهم وعقولهم، إلا أن أحداً منهم لم يبلور هذا بشكل متكامل ويجمع المتفرق الذى جاء هنا وهناك فى كتاباتهم وأبحاثهم، حتى جاء نقاد الأدب العربى المعاصر ليستفيدوا من الآفاق الرحبة التى جادت بها سوسيولوجيا الأدب فى الغرب ويعيدوا النظر فى تراثهم الأدبى وفق هذا المنظور، مع الوعى بخصوصية الأدب العربى من جهة، وما أنتجه نقاد الأدب وعلماء الاجتماع العرب من جهة ثانية. وزاد هذا الاتجاه بعد أن تبلورت ملامح الرواية العربية التى تنهل من الواقع الاجتماعى وتضيف إليه فى جدل لا ينتهى.

وإذا كان علماء النفس والاجتماع يتعاملون مع موضوع القيم حسب ما يمليه الواقع الفعلى أحياناً، وما تفرضه ضرورة البحث العلمى أحياناً، فإنهم بذلك يمهدون الطريق أمام علماء السياسة ليتحدثوا عن «قيم سياسية» يتشرنق بعضها داخل مفاهيم وسلوكيات سياسية بحتة، ويمتد بعضها ليتقاطع فى عمومياته مع مجالات الفلسفة والاجتماع وعلم النفس، ليتشظى تحت عنوان عريض مفاده «قيم عامة لها أبعاد سياسية».

ولأن الأدب حامل لقيم معينة أو وعاء لها، من منطلق كونه غير منبتّ الصلة بمسيرة الحياة اليومية للأفراد والشعوب، ولأن السياسة تماهت فى كافة الظواهر الاجتماعية أو الإنسانية تقريباً، أصبح من الممكن، بل من الضرورى، التنقيب عن قيم سياسية فى ثنايا النصوص الأدبية.

وإذا كانت هناك مؤشرات أو مظاهر متعارف عليها بين الجماعة البحثية لمختلف القيم السياسية، فإن الأدب يبدع مؤشرات ومظاهر خاصة حين يخضع للدراسة السياسية. ومن هذا المنطلق يجب أن نترك النص الأدبى ليمارس حريته فى تحديد هذه المظاهر.

ويمكننا أن نبحث فى ثنايا النصوص الأدبية عن قيم فلسفية وسياسية مثل الحرية والعدالة والمساواة والانتماء والتسامح والثقة والانخراط… إلخ، بالإضافة إلى هذا فإن براح النص الروائى يجعل الفرصة سانحة أمام باحثى علم السياسة ليستعملوا ما هو ملائم من الأدوات والمناهج العلمية، فى سبيل رصد كل نقاط التقاطع أو التماس بين الأدب والسياسة. فالمنهج البنائى الوظيفى يساعد فى تحديد الدور السياسى للعلوم والأبنية غير السياسية مثل الأدب، ومنهج الاتصال يمكن أن يتعامل مع النص الأدبى على أنه رسالة اتصالية، إذ إنه إنتاج للمبدع (مرسل)، يتم نقله إلى المتلقى (مستقبل)، من خلال وسائل معينة مثل القراءة والدراما.. إلخ (أدوات اتصال)، ويدلى المتلقى بعد ذلك بدلوه فى تفسير هذا النص (تغذية مرتدة). أما منهج التحليل الطبقى فيساعد فى رصد دور الأدب فى بناء وعى الفرد بطبقته الاجتماعية، كما أن منهج النقد الاجتماعى يمثل الطريقة التى يقوم من خلالها نقاد الأدب وعلماء السياسة، على حد سواء، بمناقشة الدور الاجتماعى للأدب.

وهذه المناهج العلمية تفتح باب «الأدب» على مصراعيه أمام دارسى العلوم السياسية. فعلاوة على موضوع «القيم السياسية» يمكن أن يتصدى البحث السياسى لدراسة موضوع «دور الأدب فى تشكيل الوعى السياسى»، منطلقاً من طرح أسئلة عديدة حول طبيعة العلاقة بين مفهومى «الأدب» و«الوعى السياسى»، والمداخل والوسائل العلمية التى يمكن من خلالها تحديد دور الأدب فى صياغة الوعى السياسى للفرد والمجتمع، أى فى تنمية معرفة الإنسان بأبعاد الصراع الاجتماعى وماهية القضايا العامة وطبيعتها ورؤية الجماهير والمثقفين للسلطة السياسية، لينتقل بعد ذلك إلى تحديد مضمون هذا الوعى ذاته.. إلخ.

كما يمكن دراسة موضوع «الأقليات» العرقية والدينية واللغوية من خلال الأدب، مثل الأقباط فى مصر والمسيحيين فى السودان، والبربر فى بلاد المغرب العربى، واليهود فى اليمن والعراق والمغرب وتونس، ويكون ذلك بتحليل نصوص روائية أو مسرحية أو شعرية أو من الأدب الشعبى، أنتجها مبدعون ينتمون إلى هذه الأقليات، أو أبدعها كتّاب ينتمون إلى الأغلبية فى هذه البلدان. وعبر الأدب من المستطاع دراسة الشخصية الوطنية لكل قطر عربى على حدة، أو الشخصية القومية للعالم العربى بوجه عام.

وقد يتعامل البعض مع الأدب بوصفه أحد مدخلات الثقافة السياسية لشعب ما، ويقارنون بينه وبين المدخلات الأخرى فى هذا المضمار، مثل المناهج التربوية والتعليمية، ودور العبادة، ووسائل الإعلام.. إلخ. ويمكن كذلك إعداد دراسات تتجاوز الجوانب النفسية للعملية الإبداعية لتبحث فى مدى ارتباط الإبداع بالحرية السياسية والاجتماعية، ومن ثم بالثقافة الديمقراطية فى بعديها القيمى والفلسفى وهذا عبر دراسة الروافد السياسية لتكوين عقلية المبدع وشخصيته، أى تنشئته السياسية التى تنعكس على ما ينتجه من أعمال إبداعية، وبعد ذلك دراسة تفاعل إبداعه مع البيئة المحيطة به.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الأدب وأحوالنا الاجتماعية الأدب وأحوالنا الاجتماعية



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 08:36 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

تركيا تشن حرباً اقتصادية من أجل الاستقلال!

GMT 08:33 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيران: تصدير النفط أم الثورة؟

GMT 08:30 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

براً وبحراً والجسر بينهما

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 14:16 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج القوس الخميس29-10-2020

GMT 16:15 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

النزاعات والخلافات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 16:45 2019 الخميس ,04 إبريل / نيسان

أبرز الأحداث اليوميّة عن شهر أيار/مايو 2018:

GMT 17:32 2019 السبت ,30 آذار/ مارس

آمال وحظوظ وآفاق جديدة في الطريق إليك

GMT 18:26 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الميزان الإثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 18:11 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر بيوم مناسب لك ويتناغم مع طموحاتك

GMT 10:44 2013 الثلاثاء ,09 إبريل / نيسان

شرش الزلّوع منشط جنسي يغني عن الفياغرا

GMT 14:55 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

يحذرك من ارتكاب الأخطاء فقد تندم عليها فور حصولها

GMT 18:34 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia