إصلاح المجتمع شرط لإصلاح الدين

إصلاح المجتمع شرط لإصلاح الدين

إصلاح المجتمع شرط لإصلاح الدين

 تونس اليوم -

إصلاح المجتمع شرط لإصلاح الدين

عمار علي حسن

تحديث المجتمع، فقد ظن كثيرون أن ضآلة جهود العقلانيين واضطهاد التنويريين هى التى منعت وجود تنوير وإصلاح دينى حقيقى لدى العرب المحدثين والمعاصرين، لكن هذا يمثل جانباً من المعضلة وليس كلها، وهو جانب أخف وزناً وأقل وطأة إن قيس بجانب آخر يتمثل فى ضرورة تحقيق التحديث، بشتى أبعاده.

هنا يقول محمود أمين العالم بعد مراجعة ما كتبه عدد من الفلاسفة والمفكرين العرب عن أسباب عدم استمرار تنوير ابن رشد فى حياتنا، بينما استفاد منه الأوروبيون: «تخلف الشروط الموضوعية والاقتصادية والاجتماعية التى تتيح تجسيد التنوير فى مجتمعاتنا وازدهار العقلانية، وغياب التنوير، هو حصاد موضوعى لهشاشة التحديث.. فلا تنوير بغير تحديث.. ولهذا فليس ثمة مفارقة بين تنوير ابن رشد فى أوروبا وتعتيمه فى عالمنا العربى، وإنما هو اختلاف بين مجتمع كان ينمو ومجتمع آخر يتخلف، ولا يزال متخلفاً، ولذا فلا سبيل لاستعادة ابن رشد واستلهامه وتمثله، بل تجاوزه، بغير مشروع تنموى تصنيعى زراعى إنتاجى هيكلى شامل، يغير ويطور البنيات الأساسية لمجتمعاتنا العربية».

لكن هناك من يدعو إلى عدم انتظار نضوح الشروط الاجتماعية، فى سبيل تحقيق التنوير وإنتاج الديمقراطية، فها هو محمد جابر الأنصارى يقول: «إذا كان المناخ الاجتماعى العام هو الحائل دون العطاء الفكرى، فمتى كان التاريخ رحيماً بأهل الفكر والثقافة؟ ألم تحرق أوروبا علماءها الأوائل الذين قالوا بكروية الأرض ونحو ذلك؟ ولكن الفكر الأوروبى، رغم هذا، مضى فى طريقه بالعطاء والتجديد، ولم ينتظر مجىء الديمقراطية، بل هو الذى أوجدها وخلقها فى نهاية المطاف، أوجدها بتقديم الأفكار الجديدة، والبرامج العملية، والصيغ المناسبة، وهذه حقيقة جديرة بالتأمل. إن الفكر الأوروبى هو الأب التاريخى للديمقراطية الأوروبية، وليس العكس، الديمقراطية وليدة الفكر الريادى المبدع، وليست سابقة له، فلماذا يصر المفكرون العرب على وضع العربة أمام الحصان، ويصرون بسذاجة قائلين: أعطونا ديمقراطية نعطيكم فكراً، وإلا فلا، وهم يدركون حقيقة مجتمعاتهم».

فى الحقيقة ليس هناك تناقض بين الاتجاهين، فمن يربط بين التنوير بشتى أبعاده والتحديث يقف على جانب أصيل من الحقيقة، ومن يدعو إلى عدم انتظار المفكرين للإصلاح السياسى كى يقوموا بالإصلاح الفكرى، يقف أيضاً على جانب أصيل من الحقيقة، لا يقل أهمية عن الأول.

فالمفكرون يجب أن يناضلوا من أجل التنوير، أياً كانت ظروف مجتمعاتهم، وإذا كانت هذه الظروف غير مهيّأة، فعليهم ألا يجلسوا صامتين متحسّرين عاجزين حيالها، بل يقدّموا الأفكار والتصورات التى تعمل على تهيئتها لتستوعب ما يطرحونه، يقدمونها للناس، فإن فهموها وآمنوا بها سيضغطون هم من أجل التغيير، أو يتصرّفون فرادى فى اتجاهه، فيحدث ولو تدريجياً، لأن السلطة ساعتها لن يكون أمامها من سبيل سوى الاستجابة لما يطلبه الناس، وإلا فقدت شرعيتها، وتحولت إلى سلطة تغلب، لا محالة ساقطة، وإن طال أمد وجودها فى الحكم.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إصلاح المجتمع شرط لإصلاح الدين إصلاح المجتمع شرط لإصلاح الدين



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 08:36 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

تركيا تشن حرباً اقتصادية من أجل الاستقلال!

GMT 08:33 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيران: تصدير النفط أم الثورة؟

GMT 08:30 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

براً وبحراً والجسر بينهما

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 14:16 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج القوس الخميس29-10-2020

GMT 16:15 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

النزاعات والخلافات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 16:45 2019 الخميس ,04 إبريل / نيسان

أبرز الأحداث اليوميّة عن شهر أيار/مايو 2018:

GMT 17:32 2019 السبت ,30 آذار/ مارس

آمال وحظوظ وآفاق جديدة في الطريق إليك

GMT 18:26 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الميزان الإثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 18:11 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر بيوم مناسب لك ويتناغم مع طموحاتك

GMT 10:44 2013 الثلاثاء ,09 إبريل / نيسان

شرش الزلّوع منشط جنسي يغني عن الفياغرا

GMT 14:55 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

يحذرك من ارتكاب الأخطاء فقد تندم عليها فور حصولها

GMT 18:34 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia