أصناف الكتّاب 23

أصناف الكتّاب (2-3)

أصناف الكتّاب (2-3)

 تونس اليوم -

أصناف الكتّاب 23

عمار علي حسن

... ويبدو أن هذه الآفة مستمرة، إذ إن أديبة شابة، هى انتصار عبدالمنعم، كتبت العديد من الروايات والمجموعات القصصية المتميزة، لكن ما إن يأتى أحد على ذكر اسمها حتى تحال إلى كتابها الذى سطرت فيه تجربتها مع جماعة الإخوان قبل أن تخرج عنها وتستغنى عن عضويتها. وقد وصل الحد إلى أن انتصار تقول بملء فيها: «كرهت هذا الكتاب»، وعندها كل الحق، لأنه بات يُستخدم، حتى ولو من دون قصد، أداة للتعمية على أعمالها الأدبية المتميزة.
وهناك من يريد أن يبدأ كبيراً وعظيماً ومكتملاً، فيمزق كل ما يخطه بنانه، لأنه من وجهة نظره ليس أفضل من السائد والمتاح، ويظل سادراً فى هذا الوهم إلى أن توافيه المنية دون أن يكتب شيئاً البتة. وقد قابلت فى طريقى أمثال هؤلاء، فما وجدتهم فى أواخر أعمارهم إلا نادمين على تفريطهم فى الفرص التى أتيحت لهم، وسمعت اعترافاتهم بأنهم قد أخطأوا، حين لم ينشروا ما كتبوه فى مقتبل حياتهم الإبداعية أو البحثية، كنقطة انطلاق نحو خط مستقيم يتعزز مع الأيام.
وأتيح لى أن أعرف أحد هؤلاء وهو الأستاذ أحمد طنطاوى الذى كان يعمل أمين عام مكتبة المجلس الأعلى للصحافة، وخرج على المعاش بدرجة وكيل وزارة. وكنت أذهب إلى هناك يومياً وقت إعدادى لدرجة الماجستير، وأنخرط معه فى نقاش عميق، فوجدته مثقفاً موسوعياً وناقداً كبيراً، لكنه مكتف بالحديث. وسألته عن السبب، لا سيما بعد أن طالعت تعليقاته على أغلفة روايات ومجموعات قصصية أصدرتها الهيئة العامة لقصور الثقافة وقت أن كان هو يعمل بها، فأجابنى: كنت أريد أن أبدأ بكتابة نص غير مسبوق، أعلى وأعمق وأجلى مما كتب طه حسين والعقاد وتوفيق الحكيم، وظللت مستسلماً لهذه الرغبة حتى مضى العمر.
وهناك من لا يهتم بجمع أعماله أو كتابة ما يحاضره على تلاميذه أو يلقيه فى أحاديث ومداخلات، والأبرز فى هذا الاتجاه هو المؤرخ الكبير شفيق غربال، الذى كان يجيب من يسألونه: أين كتبك؟ قائلاً: «كل واحد من تلاميذى كتاب لى». وبعض تلاميذه جمعوا محاضرات وأحاديث إذاعية له ونشروها بعد وفاته، وآخرها كتاب: «مقالات لم تنشر لـغربال» للدكتور حسام أحمد عبدالظاهر، فى جزأين كاملين، ليرد بعض الاعتبار لرجل قال فى حقه أستاذه المؤرخ الإنجليزى الكبير أرنولد توينبى: «لقد تعلمت من غربال أشياء كثيرة».
والمعادل الموضوعى لغربال فى الأدب، إن صح التعبير، هو كامل الشناوى، الذى كتب كثيراً، شعراً ونثراً، أو نثراً مشعوراً، وتحلّق حوله تلاميذه، وكان كريماً معهم، لكنه كان ضنيناً ببذل جهد فى سبيل حفظ ما خطه بنانه، فجمع تلاميذه بعض أشعاره ومقالاته عقب وفاته، لكن كثيراً منها ضاع فى أرشيف الصحف القديمة، ولولا أن كتب بعضهم أشياء عن سيرته الذاتية، ومواقفه الإنسانية، وخفة ظله وذكائه، لسقط الكثير من أثره.
الأغلبية هى تلك التى يتحسن أدؤاها ببذل الجهد، والتجويد والإجادة، مع مرور الوقت، وتراكم القراءات والخبرات، وتعمق التأملات، وإمعان البصر، وتفتح البصيرة. ومع هؤلاء تكون الكتابة، فضلاً عن أنها موهبة متفجرة، فهى حرفة أو مهنة على صاحبها أن يبحث دوماً عما يجعله يتقنها، فالله يحب إن عمل أحدنا عملاً أن يتقنه.
من بين هؤلاء من يفضل، حين تنضج موهبته، أن يخفى أعماله الأولى، التى كانت بالنسبة له مجرد محاولات أو مرحلة للتجريب، ولا يعيد طباعتها ونشرها، حتى لا يرى الناس بداياته، ويتعاملون معه فى ذروة عطائه. وهناك من لا يجد أى غضاضة فى أن يعيد نشر كتاباته الأولى، لكن بعد أن يعيد صياغتها، على النحو الأفضل، وهو هنا إما أن يكتفى بتجويد الأسلوب دون أى إضافة للأفكار والمعانى والحمولات المعرفية والعلمية، أو يضيف أفكاراً جديدة إلى جانب ترصيع الأسلوب وتحسينه وتهذيبه.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أصناف الكتّاب 23 أصناف الكتّاب 23



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 08:36 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

تركيا تشن حرباً اقتصادية من أجل الاستقلال!

GMT 08:33 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيران: تصدير النفط أم الثورة؟

GMT 08:30 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

براً وبحراً والجسر بينهما

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 18:47 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الدلو الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 18:38 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج القوس الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 14:13 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج العقرب الخميس 29 -10 -2020

GMT 14:08 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج العذراء الخميس 29-10-2020

GMT 15:33 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

يبشّر هذا اليوم بفترة مليئة بالمستجدات

GMT 18:18 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الأسد الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 16:31 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

فرص جيدة واحتفالات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 18:23 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر مع تنافر بين مركور وأورانوس
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia