مزايا توافق الديمقراطية والتنمية 2

مزايا توافق الديمقراطية والتنمية (2)

مزايا توافق الديمقراطية والتنمية (2)

 تونس اليوم -

مزايا توافق الديمقراطية والتنمية 2

بقلم : عمار علي حسن

ويذهب عالم السياسة الأمريكى روبرت دال، إلى أن الديمقراطية واقتصاد السوق فى حاجة إلى بعضهما البعض، فالأسواق الحرة لا تريد أن تخضع لتنظيم صارم، وترفض أى إجراءات تحد من انتقال العمالة ورأس المال، ولا تقبل وصايا تمنع المستهلكين من أن يختاروا السلع التى يرغبون فى شرائها، أو عقبات تحول دون وصول الموارد الأساسية إلى المصانع، أو تدخل يحد من حرية التنافس بين المنتجين، والديمقراطية السياسية تلبى كافة هذه الاحتياجات.

فى المقابل هناك من يرى أن اقتصاد السوق يساعد أكثر من غيره على تحقيق التنمية التى تتم ترجمتها فى تعزيز التعليم وزيادة درجة الاتصال الاجتماعى وسهولة تبادل المعلومات، الأمر الذى يزيد من درجة الوعى السياسى والاجتماعى لدى المواطنين بجميع حقوقهم، ومن ثم يتمسكون بالديمقراطية، إذا كانت موجودة، وينادون بها إذا كانت غائبة. وهذه المنفعة المتبادلة جعلت «دال» يقول إن الدول التى تديرها حكومات ديمقراطية تتجه إلى أن تكون أكثر رخاء من الدول التى تقودها حكومات مستبدة، وإن خبرة القرن التاسع عشر تبين أن الأولى كانت ثرية، والثانية كانت فقيرة فى الغالب الأعم. وقد تكرست هذه الصورة فى النصف الثانى من القرن العشرين، بشكل يشد الانتباه.

وقد دفع هذا الوضع كثيراً من الباحثين إلى التساؤل عما بين الديمقراطية والتنمية الاقتصادية من ارتباط. فتورين يرى أن «الديمقراطية والتنمية تسميتان لمسمى واحد»، ثم يعود ويوضح أن «التنمية ليست سبب الديمقراطية إنما هى نتيجة لها». لكن محاولة دمج المفهومين أو توحيدهما لم تلق قبولاً عاماً، بل انقسمت الآراء حولها، لدرجة اعتبار البعض أن هناك علاقة تنافر وتضارب بين الديمقراطية والتنمية، لأسباب اقتصادية وسياسية.

فاقتصادياً يرى هؤلاء أن النمو يحتاج إلى وفورات مالية تتاح للمستثمرين بما يمكنهم من إقامة مشروعات تنهض بعملية التنمية. لكن هذه الوفورات من الممكن أن تذهب إلى الاستهلاك وليس إلى الاستثمار. وهنا يصبح الطريق الوحيد أمام زيادة الفوائض المالية هو تقليل الإنفاق الاستهلاكى. وتعجز الأنظمة الديمقراطية عن فرض خطوة من هذا القبيل، لأن المستهلكين فى النهاية ناخبون وبإمكانهم أن يعاقبوا الساسة، الذين طالبوهم بضغط الإنفاق، فى أقرب فرصة تتاح لهم من خلال صناديق الانتخابات. ومن ثم يهتم القائمون على الأمر فى الأنظمة الديمقراطية بتلبية الاحتياجات قصيرة الأمد والملحة للمواطنين، وهذا توجه يضر بالاستثمار. وسياسياً فإن التنمية، من وجهة نظر هذا الفريق، فى حاجة ماسة إلى الاستقرار. وفى ظل الدولة الديمقراطية يكون الباب مفتوحاً أمام المؤسسات والجماعات الصغيرة لتسبب إزعاجاً أو تنغيصاً دائماً للسلطة من خلال الضغوط التى تمارسها لتحقيق مصالحها، الأمر الذى يشيع جواً من البلبلة الاجتماعية، بما يضر بالتنمية الاقتصادية. أما فى ظل التسلطية فإن المجتمعات تستقر، ومن ثم تتفاعل عملية التنمية فى هدوء وثقة.

وعلى النقيض من ذلك هناك من يؤكد أن التسلطية تضر بعملية التنمية، لأنها تعطى الدولة صلاحيات كبيرة للتدخل فى شئون الأفراد، بما يمنع من قيام اقتصاد حر، يبنى أساساً قوياً لتنمية مستدامة. وإذا كان التذرع بأن الإنفاق على الاستهلاك يعوق التنمية، كما تقدم، فإن جزءاً كبيراً من النفقات يذهب إلى قطاعات التعليم والصحة، وهى ضرورية لعملية التنمية، أو بمعنى أكثر تحديداً فإنها تشكل «استثماراً فى البشر»، أى توفر الدعائم الرئيسية للتنمية، بوصف الإنسان هو صانع التنمية وهدفها فى الوقت ذاته.

(ونكمل غداً إن شاء الله تعالى)

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مزايا توافق الديمقراطية والتنمية 2 مزايا توافق الديمقراطية والتنمية 2



GMT 00:05 2018 الجمعة ,22 حزيران / يونيو

آفة أن يُحارَب الفساد باليسار ويُعان باليمين

GMT 06:32 2018 الجمعة ,11 أيار / مايو

الكتابة تحت حد السيف

GMT 05:12 2017 الجمعة ,15 أيلول / سبتمبر

سيادة «القومندان» عارف أبوالعُرِّيف

GMT 13:33 2017 الجمعة ,08 أيلول / سبتمبر

التعليم والتطرف والإرهاب العرض والمرض والعلاج

GMT 04:34 2017 الجمعة ,23 حزيران / يونيو

مصر من الثقافة المدنية إلى الحكم المدنى

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 06:31 2019 الأحد ,31 آذار/ مارس

تنعم بأجواء ايجابية خلال الشهر

GMT 18:34 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 15:20 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

قد تمهل لكنك لن تهمل

GMT 09:20 2016 الثلاثاء ,22 آذار/ مارس

فوائد صحية وجمالية لعشبة النيم

GMT 18:17 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

إنجي علي تؤكّد أن مصر تتميز بموقع فني عالمي رفيع

GMT 13:10 2013 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

الــ " IUCN"تدرج "الصلنج" على القائمة الحمراء

GMT 16:52 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تتيح أمامك بداية السنة اجواء ايجابية
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia