ما وراء إرهاب «حلوان»

ما وراء إرهاب «حلوان»

ما وراء إرهاب «حلوان»

 تونس اليوم -

ما وراء إرهاب «حلوان»

بقلم : عمار علي حسن

لا يجب أن يفزعنا حادث حلوان الإرهابى، الذى استشهد فيه ضابط وثمانية من أمناء الشرطة، فنقول «داعش فى القاهرة»، ثم يأتى من يستغل هذا الحادث البشع، ليقول للجميع: «اصمتوا، لا تنتقدوا، ولا تحتجوا ولو لفظاً على أى شىء الآن، فالإرهابيون وصلوا إلى عاصمة البلاد ومعهم رشاشات متطورة ومدافع جرينوف يستخدمونها ضد جنودنا فى سيناء، عليكم أن تبلعوا ألسنتكم لأن كلامكم يشوش علينا، ونحن نحارب الإرهابيين».

ابتداءً، ليست هذه الحادثة الأولى من نوعها منذ سقوط حكم الإخوان التى تقع بالقاهرة الكبرى، بل هناك حوادث شبيهة أو نظيرة أو أقل قليلاً، وأحياناً أكثر، وقعت فى حلوان نفسها. كما أن هذه الطريقة التى اتبعها إرهابيو «داعش»، حسب بيانهم الذى تبنوا فيه العملية، طالما شهدتها مصر فى ثمانينات وتسعينات القرن العشرين، وقت الصدام المسلح بين السلطة و«الجماعة الإسلامية» فى صعيد مصر، وتنظيمات الجهاد العنقودية فى القاهرة والدلتا، فأيامها كانت الشرطة بكل رتبها ودرجاتها مستهدفة بإفراط، فاستشهد عدد من اللواءات، كما استشهد عدد كبير من الخفراء النظاميين، حيث كان الإرهابيون وقتها يستهدفون أى شخص له علاقة بجهاز الشرطة، حتى لو كان جندى أمن مركزى فقيراً، أو مساعد شرطة بدرجة عريف.

كما أن «الدواعش» كانوا فى القاهرة، قبل أن تظهر «داعش» نفسها فى سوريا والعراق أو ينبت لها فرع شيطانى فى سيناء كان يسمى نفسه «أنصار بيت المقدس»، فالمعلومات التى تعرفها أجهزة الأمن، وصرح بها مسئولوها، وكذلك الباحثون والخبراء المتابعون لملف الإرهاب، تقول بوضوح إن عدداً من التنظيمات الجهادية الجديدة كانت موجودة تحت السطح قبل ثورة 25 يناير، وراحت تنمو فى صمت، ثم أعلنت عن نفسها بعد الثورة، وانضمت إلى قوة الدفع التى استغلت الدين فى الزحف إلى السلطة، ومثَّل الإخوان رأس حربة لها.

هؤلاء يحملون الأفكار نفسها التى تعشش فى رؤوس الدواعش، بل إن داعش ليست سوى الطور الراهن من التنظيمات «الجهادية التكفيرية»، التى وجدت أجهزة استخبارات توظفها فى خدمة أهداف محددة، وساحت فى الأرض مع العولمة مستغلة أحدث وسائل الاتصال والتواصل، وامتلكت أسلحة أكثر فتكاً بعد أن توافرت لديها أموال طائلة، ولم تعد معنية بإسقاط السلطة السياسية من أعلى والاستيلاء على الدولة إنما إنهاك هذه الدولة واقتطاع جزء من أرضها لإقامة إمارة دينية عليها، تعد نقطة انطلاق نحو التوسع فى أرض جديدة، والقيام بعمليات إرهابية فى بلدان أخرى.

لقد رفع القتلة المجرمون راية داعش على عربة نقل صغيرة كانوا يستقلونها قبل أن يطلقوا النار على ضحاياهم فى حلوان، ثم أعلن تنظيمهم مسئوليته عما اقترفوه من جرم، وكأنهم أرادوا أن يقولوا لنا «داعش فى القاهرة»، لنفتح أفواهنا اندهاشاً وعجباً، وترتعد فرائصنا رعباً، متوهمين أن ما فعلوه جديد علينا، أو سيهز ثقتنا فى أن الإرهابيين سيندحرون لا محالة، مهما ارتكبوا من أعمال إرهابية وإجرامية، لأن الشعب المصرى يلفظهم، وهو لهم بالمرصاد.

إن المعركة ضد الإرهاب فكرية قبل أن تكون أمنية، ولذا فإن جزءاً من مواجهة الإرهابيين تعتمد على عدم الاستجابة لما يحاولون فرضه علينا من العيش فى خوف وقمع واستسلام، لأنهم يدركون أن من يعانى من هذا ليس بوسعه أن يقاومهم، ولذا فإن السلطة حين تستغل الإرهاب فى مزيد من الكبت والقمع تحت شعار «لا صوت يعلو فوق صوت المعركة»، تكون، وللأسف الشديد، تعمل لصالح الإرهابيين دون أن تدرى، لأنهم ببساطة يريدون توسيع الهوة بين الناس وأهل الحكم، فهذا هو أحد أهدافهم الأساسية، بل إحدى وسائلهم فى المعركة، لكن أكثر من يتخذون القرار فى بلادنا لا يعلمون.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ما وراء إرهاب «حلوان» ما وراء إرهاب «حلوان»



GMT 00:05 2018 الجمعة ,22 حزيران / يونيو

آفة أن يُحارَب الفساد باليسار ويُعان باليمين

GMT 06:32 2018 الجمعة ,11 أيار / مايو

الكتابة تحت حد السيف

GMT 05:12 2017 الجمعة ,15 أيلول / سبتمبر

سيادة «القومندان» عارف أبوالعُرِّيف

GMT 13:33 2017 الجمعة ,08 أيلول / سبتمبر

التعليم والتطرف والإرهاب العرض والمرض والعلاج

GMT 04:34 2017 الجمعة ,23 حزيران / يونيو

مصر من الثقافة المدنية إلى الحكم المدنى

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 06:31 2019 الأحد ,31 آذار/ مارس

تنعم بأجواء ايجابية خلال الشهر

GMT 18:34 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 15:20 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

قد تمهل لكنك لن تهمل

GMT 09:20 2016 الثلاثاء ,22 آذار/ مارس

فوائد صحية وجمالية لعشبة النيم

GMT 18:17 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

إنجي علي تؤكّد أن مصر تتميز بموقع فني عالمي رفيع

GMT 13:10 2013 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

الــ " IUCN"تدرج "الصلنج" على القائمة الحمراء

GMT 16:52 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تتيح أمامك بداية السنة اجواء ايجابية
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia