مصر وعولمة الإرهاب 3  3

مصر وعولمة الإرهاب (3 - 3)

مصر وعولمة الإرهاب (3 - 3)

 تونس اليوم -

مصر وعولمة الإرهاب 3  3

عمار علي حسن

حتى عام 1997 لم يكن تنظيم «الجهاد المصرى» قد تعولم سياسياً بالمعنى الدقيق لهذه المسألة، فهو كان مهموماً بتحقيق مقصده فى إزاحة الحكومة، ولم يغِب هذا المأرب عن أذهان قادته، سواء كانوا فى كهوف أفغانستان أو فى جبال اليمن وأحياء الخرطوم الخلفية، أو فى الشقق الفاخرة فى أوروبا والولايات المتحدة ذاتها، لكن اشتراك أحد قيادات التنظيم وهو أيمن الظواهرى فيما يسمى «الجبهة الإسلامية العالمية لجهاد اليهود والصليبيين»، جعل هذا المقصد يقبل بجانبه مقصدًا آخر وهو «قتال العدو البعيد»، أى أمريكا وإسرائيل وروسيا على وجه الخصوص، وذلك مع فشل العناصر التى أرسلها تنظيم الجهاد فى النيل من تماسك النظام المصرى بالتوازى مع فشل جميع العمليات الإرهابية التى نفذتها عناصر محلية فى دفع هذا النظام إلى الانهيار أو التسليم، كما كان قادة هذه الجماعات يتوهمون.

وتحت راية الجبهة، المذكور سلفاً، امتزجت أهداف الراديكاليين الإسلاميين المصريين من تنظيم الجهاد، أو تناغمت، مع أهداف أبعد كانت تدور فى رأس قيادات راديكالية من دول عربية وإسلامية أخرى، جعلت من الولايات المتحدة «العدو الأول»، لإجبارها على سحب جيشها وعتادها من منطقة الخليج العربى، وإخراجها من معادلة الصراع العربى - الإسرائيلى، أو معاقبتها على الوقوف خلف إسرائيل فى جميع الأحوال. ولم يكن تحول من هذا النوع صعباً على الإطلاق، نظراً لأن «الأفغان العرب» عموماً، ليسوا سوى نتاج لصراعات عالمية، أيديولوجية واستراتيجية، أكسبتهم خبرة عميقة نسبياً فى التعامل مع قضايا تتعدى حدود أقطارهم، وغذت لديهم ميلاً، تنامى باستمرار، إلى إيجاد «أممية إسلامية».

وعبرت أدبيات الراديكاليين الإسلاميين وتصريحات قادتهم، اعتباراً من النصف الثانى من عقد التسعينيات من القرن الماضى، بوضوح وجلاء عن هذا التوجه الجديد، ثم جاءت تحركاتهم لتؤكد هذا، إذ إنها اخترقت حدود الدول القومية وساحت فى عالم جغرافى تخيلى ينتهى عند نقاط التماس الملتهبة فى العالم الإسلامى، ويعيد إنتاج التصورات الأكثر شمولية التى تحدثت عن دولة إسلامية تمتد من غانا إلى فرغانة، لكن هذه المرة، ليس بطريقة دعوية كما اعتادت تيارات إسلامية عديدة طيلة القرن الأخير، بل بشكل حركى عنيف، لا يقف عند حدود الأمنيات، ولا يعترف بالتغلغل البطىء السلمى المدروس الذى انتهت إليه حركات إسلامية أممية مسيسة مثل الإخوان المسلمين، أو غير مسيسة مثل جماعة «التبليغ والدعوة».

ومع ذلك فيصعب التسليم تماماً بأن الطابع الأممى لتنظيم الجهاد صنيع السنوات الخمس الأخيرة فقط، فهو يشكل جزءاً من خطاب هذه الجماعات منذ زمن، تمحور حول ثلاث قضايا رئيسية، هى: «الخلافة» و«الجهاد» و«العلاقة مع الغرب».

لكن على المستوى العملى قاد ترتيب الأولويات لدى هذه الحركات إلى جعل تغيير الوضع الداخلى قسراً هو القاعدة الأساسية للانطلاق إلى بناء أنماط عدة من التعاون مع الحركات الإسلامية فى بلدان عربية وإسلامية أخرى لإسقاط الأنظمة «العلمانية» الحاكمة، ومد يد العون، المادى والمعنوى، إلى الأقليات المسلمة فى مختلف البلدان. ثم أخيراً النظر إلى العالم «غير المتأسلم» على أنه «دار حرب»، يستوجب إحياء «الفريضة الغائبة» فى مواجهته، وهى الجهاد.

ومعنى هذا أن النظرة «عابرة القوميات» فى خطاب تنظيم الجهاد المصرى وقفت طويلاً عند حدود التصور الأيديولوجى العام، حتى جاء بروز ظاهرة «الأفغان العرب» الذين أوصدت فى وجوههم أبواب الرجوع إلى بلادهم بعد انتهاء مهمتهم فى أفغانستان بخروج القوات السوفيتية مهزومة ليضعها على محك التدويل. ثم جاء حدث 11 سبتمبر ليظهر أن بعض عناصر هذا التنظيم تشكل جزءاً من حركة عريضة تستخدم أهم ما ارتقته العولمة فى مجالات الاقتصاد والاتصال والمعلومات، وترفض فى المقابل ما تطرحه العولمة فى مجال الثقافة، من خلال تمسكها الصارم بخصوصية وهوية «إسلامية» تضع الآخر الأمريكى فى موضع العدو الثقافى والعسكرى والسياسى.

وأخيراً أعطى الاحتلال الأمريكى للعراق، ثم الاضطرابات التى جرت فى بعض البلدان العربية فى السنوات الأربع الأخيرة فرصة سانحة لـ«القاعدة» و«الجهاد» كى يجتمعا ليشكلا الطور الأخير المتعولم وهو «داعش» التى تضم مقاتلين ينتمون إلى عدد أكبر من الجنسيات، وتستغل عطايا العولمة فى الاتصال إلى أعلى درجة، وتنسق أكثر مع أجهزة مخابرات أجنبية، وترفع أعلى راية التهديد للعالم بأسره.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مصر وعولمة الإرهاب 3  3 مصر وعولمة الإرهاب 3  3



GMT 07:36 2021 الإثنين ,04 تشرين الأول / أكتوبر

الخرائط المريضة وذاكرة النسيان

GMT 04:28 2021 الخميس ,30 أيلول / سبتمبر

الخلاف حول اليمن

GMT 16:29 2021 الجمعة ,24 أيلول / سبتمبر

تواريخ سبتمبر ورجاله

GMT 06:26 2021 الثلاثاء ,21 أيلول / سبتمبر

المرعى البعيد أصبح سوراً استراتيجياً

GMT 17:17 2021 الجمعة ,17 أيلول / سبتمبر

انتخابات المغرب وفشل الإسلام السياسي

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 18:47 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الدلو الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 18:38 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج القوس الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 14:13 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج العقرب الخميس 29 -10 -2020

GMT 14:08 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج العذراء الخميس 29-10-2020

GMT 15:33 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

يبشّر هذا اليوم بفترة مليئة بالمستجدات

GMT 18:18 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الأسد الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 16:31 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

فرص جيدة واحتفالات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 18:23 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر مع تنافر بين مركور وأورانوس
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia