عن مزاعم إقامة «دولة الدين»

عن مزاعم إقامة «دولة الدين»

عن مزاعم إقامة «دولة الدين»

 تونس اليوم -

عن مزاعم إقامة «دولة الدين»

عمار علي حسن

حولت الجماعات والتنظيمات الدينية التى تسعى إلى السلطة السياسة الإسلام إلى أيديولوجية فجة، غابت فيه روح الدين الحنيف ومقاصده، وذلك فى إطار مسعاها الحثيث إلى إقامة الدولة الدينية أو «دولة الدين» التى يزعمونها. وهناك ملاحظات أساسية حول هذه المسألة تنسحب على الحالة العربية الإسلامية بوجه عام، ويمكن ذكرها على النحو التالى:

1- تتعامل الجماعات والتنظيمات الدينية المسيسة مع الدولة باعتبارها فريضة دينية يتساوى إنكار ضرورتها مع الكفر الذى يحل به القتل، منطلقة من مقولات وتصورات قديمة تعتبر «الخلافة» ليست مجرد اجتهاد من المسلمين الأوائل كان يلائم زمانهم، بل هى أصل من أصول الإسلام، ولذا فإن إقامتها واجبة، والكفاح من أجلها ضرورة، حتى لو انزلق هذا الكفاح إلى استعمال العنف المفرط ضد بقية المسلمين، ممن ارتضوا بالدولة الوطنية الحديثة، لا سيما ضد المفكرين والمثقفين والساسة التابعين للأحزاب المدنية، الذين يتعاملون مع «الخلافة» بوصفها شكلاً إمبراطورياً للحكم مثلما كان سائداً فى القرون الوسطى، ولم تعد إقامته ممكنة، فضلاً عن أنها غير مرغوب فيها، لأنها عودة إلى الوراء، والتاريخ لا يسير بظهره.

2- لا تعد مسألة «تديين الدولة» و«دولنة الدين» سهلة، بأى حال من الأحوال، والفصل فيها ليس ببساطة فض نزاع بين دولتين على الحدود، أو بين شركتين على النقود، فمن الصعب إقناع قطاع عريض من الناس بحدود فاصلة بين «الدين» و«الدولة»، لا سيما بعد الأفكار التى تم بثها فى الرؤوس، والمعانى التى وقرت فى النفوس، عن تجربة الرعيل الأول من المسلمين أو «الفترة الكلاسيكية للإسلام»، والذين أعيد صياغة تجربتهم لخدمة المشروع الإمبراطورى الأموى والعباسى والعثمانى، بما دمج الدين فى الدولة، والدولة فى الدين، وجعل المسلمين المعاصرين يتحدثون عن أن تجربة الإسلام، وهم يقصدون فى هذا تاريخ المسلمين، غير تجربة المسيحية الغربية، وفى هذا من دون شك تعمية على الدين لحساب الدنيا، وهروب من مواجهة الحقيقة التى تقول بوضوح إن المسلمين استبدلوا تجربة الرجال الأقدمين منهم بالقرآن وما ينص عليه ويطلبه ويوجبه ويفرضه. وفى الحقيقة لم تستسلم الحكومات التى تعاقبت على بلدان المسلمين لهذا الدمج، وحاولت طيلة الوقت أن تعين أو ترسم حدوداً بين «الدين» و«الدولة»، تحت شعارات من قبيل «لا سياسة فى الدين، ولا دين فى السياسة» الذى أطلقه الرئيس المصرى الراحل أنور السادات، لكن هذه الحكومات كانت مضطرة، فى ردها على خطاب ومسلك الجماعات الدينية المسيسة، أن تترك الدين يمتزج بالدولة عند بعض أطرافها، وتقاوم فى الوقت نفسه المتطرفين والمتشددين والمتزمتين والتكفيريين الذين لا يرضون عن «دولة الدين» بديلاً.

3- بذلت الجماعات الدينية صاحبة المشروع السياسى، ابتداء من جماعة الإخوان التى تم تأسيسها عام 1928، جهداً مضنياً، وجاراها بعض الباحثين والمفكرين والكتاب، فى سبيل تحديد أطر وملامح أساسية لما يسمى «النظام السياسى فى الإسلام» وتم تأليف آلاف الكتب فى هذا الاتجاه، سواء بالحديث فيه مباشرة، أو بطريقة غير مباشرة، وباتت هذه الكتب تسمم المجال الفكرى العام للمسلمين المعاصرين. وعلى مستوى الجهد نفسه تسخر هذه الجماعات جزءاً لا يستهان به من طاقتها فى مقاومة الآراء التى تدحض وجهة نظرهم تلك، ويتم تشويه أصحابها بلا روية ولا ورع.

4- استفادت الجماعات والتنظيمات الساعية إلى إقامة «دولة الدين» فى تسويغ خطابها الذى يرمى لتحقيق هذا الهدف من إخفاق النخب اليسارية والليبرالية بشتى صنوفها، والتى حكمت البلدان العربية والإسلامية فى مرحلة ما بعد رحيل المستعمر، فى إقامة «دولة وطنية» راسخة المعالم، تتمتع بشرعية قوية، ورضاء جماهيرى واسع النطاق، وبات أتباع هذه الجماعات يردون على كل من ينتقد خطابهم قائلين: «لقد حكم الليبراليون واليساريون والقوميون وأخفقوا، فامنحونا فرصة، لأن مشروعنا هو الأحق بالاتباع والتطبيق» لكن حين وصل الإخوان إلى الحكم فى مصر، اكتشف الناس أنهم لا يملكون سوى أمنيات حول الدولة التى يريدون بناءها، وأن مفهوم الدولة الوطنية والمدنية لم يرسخ فى أقوالهم وأفعالهم بعد.

5- شكلت الجماعات الساعية إلى إقامة «دولة الدين» معضلة حقيقية أمام التطور الديمقراطى فى مصر وغيرها، فابتداء هى لا تؤمن فى دخيلة نفسها بالديمقراطية، وإن أظهرت عكس ذلك فى مجاراة لمن حولها ومداراة عن حقيقة أمرها، أو فى ظل تحايلها على القوى السياسية والفكرية الأخرى فى سبيل دمجها فى العملية السياسية والدفاع عنها، لا سيما لدى أصحاب الخطاب الحقوقى. كما أن وجود هذه الجماعات فى الحياة السياسية والاجتماعية أعطى السلطات المتعاقبة فرصة لتوظيفها «فزاعة» للداخل والخارج، وانتهاج القمع، بدءاً من الخطاب وانتهاء بالممارسات، ومروراً بالتشريعات، بدعوى أن هذا هو السبيل الوحيد لمواجهة المتطرفين وقطع الطريق عليهم حتى لا يختطفوا الدولة. وقد أعطت التجربة المصرية الأخيرة دفعة قوية لمثل هذا الخطاب فى ظل ما ترتب على التجربة المزرية للإخوان فى الحكم.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عن مزاعم إقامة «دولة الدين» عن مزاعم إقامة «دولة الدين»



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 08:36 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

تركيا تشن حرباً اقتصادية من أجل الاستقلال!

GMT 08:33 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيران: تصدير النفط أم الثورة؟

GMT 08:30 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

براً وبحراً والجسر بينهما

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 14:16 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج القوس الخميس29-10-2020

GMT 16:15 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

النزاعات والخلافات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 16:45 2019 الخميس ,04 إبريل / نيسان

أبرز الأحداث اليوميّة عن شهر أيار/مايو 2018:

GMT 17:32 2019 السبت ,30 آذار/ مارس

آمال وحظوظ وآفاق جديدة في الطريق إليك

GMT 18:26 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الميزان الإثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 18:11 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر بيوم مناسب لك ويتناغم مع طموحاتك

GMT 10:44 2013 الثلاثاء ,09 إبريل / نيسان

شرش الزلّوع منشط جنسي يغني عن الفياغرا

GMT 14:55 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

يحذرك من ارتكاب الأخطاء فقد تندم عليها فور حصولها

GMT 18:34 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia