تجديد علوم الدين 4  4

تجديد علوم الدين (4 - 4)

تجديد علوم الدين (4 - 4)

 تونس اليوم -

تجديد علوم الدين 4  4

بقلم : عمار علي حسن

فى المقالات السابقة تناولت «علم اجتماع الدين» و«الأديان المقارنة»، بما لا يقتصر على الأديان الإبراهيمية، إلى جانب الأنثروبولوجيا والتاريخ واللسانيات وعلوم اللغة، كحقول معرفية لا بد من الاهتمام بهما فى الكليات التى تدرس علوم الدين، وهنا أكمل:

(ز) علم الآثار: وهو الذى يدرس ما تركه الإنسان القديم من موجودات مادية لها صلة بمعتقداته وتدبير معيشته والتعبير عن أفراحه وأتراحه، وبالتالى يفتح باباً لمعرفة كيف تطوّرت الأديان من خلال هذه الموجودات، وهى مسألة مهمة لتُبين للمتطرفين أن ما يدّعونه من امتلاك الحقيقة المطلقة هو مزاعم من عند أنفسهم، وأن الأمم الغابرة لم تكن على الكفر والشر، وأن الدين قديم قدم الإنسان.

والمثل الذى يمكن أن يُضرب فى هذا المقام هو ما وجده علماء الآثار محفوراً على جدران المعابد المصرية القديمة، وكذك فى آثار بابل، من ذكر للوصايا العشر، التى وردت فى التوراة والإنجيل واشتمل عليها القرآن الكريم، وهى وصايا تجاه الله سبحانه وتعالى (لاَ يَكُنْ لَكَ آلِهَةٌ أُخْرَى أَمَامِى، لاَ تَصْنَعْ لَكَ تِمْثَالاً مَنْحُوتاً، وَلاَ صُورَةً مَا مِمَّا فِى السَّمَاءِ مِنْ فَوْقُ، وَمَا فِى الأَرْضِ مِنْ تَحْتُ، وَمَا فِى الْمَاءِ مِنْ تَحْتِ الأَرْضِ. لاَ تَسْجُدْ لَهُنَّ وَلاَ تَعْبُدْهُنَّ، لا تحلف باسم إلهك باطلاً، اُذْكُرْ يَوْمَ السَّبْتِ لِتُقَدِّسَهُ)، وتجاه القريب (أكْرِمْ أَبَاكَ وَأُمَّكَ لِكَىْ تَطُولَ أَيَّامُكَ عَلَى الأَرْضِ الَّتِى يُعْطِيكَ الرَّبُّ إِلهُكَ)، وتجاه المجتمع (لا تقتل، لا تزن، لا تسرق، لا تشهد شهادة زور، لاَ تَشْتَهِ بَيْتَ قَرِيبِكَ. لاَ تَشْتَهِ امْرَأَةَ قَرِيبِكَ، وَلاَ عَبْدَهُ، وَلاَ أَمَتَهُ، وَلاَ ثَوْرَهُ، وَلاَ حِمَارَهُ، وَلاَ شَيْئاً مِمَّا لِقَرِيبِكَ).

وعلم الآثار مهم فى هذه الناحية، خصوصاً أنّ الكثير من الكتابات التى تخص نقد الأديان لا تتسلح بالطرق العلميّة، أى تخلو من الأدلة الأركيولوجية، وهى الطريقة الوحيدة التى من الممكن أن تترك أثراً ووعياً بعد عدة قرون عند البعض من غير الدوغمائيين.

وعلماء الآثار من خلال قراءتهم للنقوش وعثورهم على قطع أثرية وحفريات، بوسعهم أن يدلوا بدلوهم حيال الكثير من الروايات الدينية التاريخية التى يُردّدها الناس باعتبارها حقائق لا تقبل النقد ولا النقض، ولا يصبح من المستساغ أن تظل هذه الروايات متداولة، رغم أن الأثريين برهنوا على عدم صحتها، أو على الأقل هزوا ثباتها، أو على الأقل جعلوها موضع مساءلة أمام أفهام المعاصرين.

(ح) علم النفس: وهنا نجد اختلافاً بين اتجاه يذهب إليه سيجموند فرويد، ينظر إلى الدين باعتباره ظاهرة عصابية تُترجم رغبة النكوص إلى الطفولة، حيث الحاجة إلى الأبوة، وآخر يسلكه كارل يونج الذى ينظر إليه باعتباره غريزة ترمى إلى تحقيق الوحدة والاكتمال، وتجاوزها يؤدى إلى العصاب، وثالث يؤكده إريك فروم الذى تعامل مع الدين باعتباره تجسيداً لحاجة الإنسان الجوهرية إلى مذهب أو إطار يوجّهه، وإلى العبادة، لما تحققه من إشباع حاجات روحية.

لكن الاستفادة من علم النفس تتعدى هذه الرؤى الكلية التى تريد أن تفسر الدين بإعادته إلى أسباب حياتية أو احتياجات نفسية واجتماعية بحتة، كى تمتد إلى تبصيرنا بأحوال الإنسان وخواطره والعناصر التى شكلت شخصيته، على اعتبار أن الإنسان ابن عوائده، وكذلك ابن الجينات التى ورثها عن أبيه وأمه وأجداده من الجانبين، وبالموروث والمكتسب صُنعت تصوراته وتصرفاته. ومعرفة هذا تجعل بوسعنا أن نعذر الناس، ونصبر عليهم إن أردنا تغييرهم إلى الأفضل، ولا نوصد أمامهم الأبواب إن كانوا يقترفون إثماً أو يفعلون سوءاً، دون أن نُسقط من حساباتنا أن كثيراً مما يعتبره المتطرفون إثماً وسوءاً، ليس بهذا على كل حال.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تجديد علوم الدين 4  4 تجديد علوم الدين 4  4



GMT 00:05 2018 الجمعة ,22 حزيران / يونيو

آفة أن يُحارَب الفساد باليسار ويُعان باليمين

GMT 06:32 2018 الجمعة ,11 أيار / مايو

الكتابة تحت حد السيف

GMT 05:12 2017 الجمعة ,15 أيلول / سبتمبر

سيادة «القومندان» عارف أبوالعُرِّيف

GMT 13:33 2017 الجمعة ,08 أيلول / سبتمبر

التعليم والتطرف والإرهاب العرض والمرض والعلاج

GMT 04:34 2017 الجمعة ,23 حزيران / يونيو

مصر من الثقافة المدنية إلى الحكم المدنى

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 14:28 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

تشعر بالعزلة وتحتاج الى من يرفع من معنوياتك

GMT 09:45 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

20 عبارة مثيرة ليصبح زوجكِ مجنونًا بكِ

GMT 16:52 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تتيح أمامك بداية السنة اجواء ايجابية

GMT 15:26 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

يوم مميز للنقاشات والاتصالات والأعمال

GMT 07:09 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أمور إيجابية خلال هذا الشهر

GMT 16:36 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

النشاط والثقة يسيطران عليك خلال هذا الشهر

GMT 17:29 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحالفك الحظ في الايام الأولى من الشهر
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia