أولاد الخطيئة والإجرام

أولاد الخطيئة والإجرام

أولاد الخطيئة والإجرام

 تونس اليوم -

أولاد الخطيئة والإجرام

عمار علي حسن

شاعراً كنت أو إنساناً مجروحاً، لا يهم الآن، لكن المهم هو أن تضع يدك على ما تنساه الأغلبية الكاسحة من الناس، وهى تخطف بأيديها أوراقاً هشة لحياة عابرة، وتلقيها فوق الحقيقة الأصيلة لتغطيها ولو إلى حين، وهى تظن أنها قد نجحت فى طردها من الأذهان، بقصد ووعى، محاولة أن تنجو من آثار المواجهة.
والحقيقة أننا من صناعة الخطيئة، ألم يُطرد أبونا آدم من الجنة العليا ويهبط إلى الأرض السفلى لأنه عصى حين استسلم لوسوسة الشيطان فمد يده ليأكل من الشجرة المحرمة راغباً فى الخلود، ليكون حياً لا يموت، قيوماً لا ينام، أى يصير إلهاً؟! وهو ما كان مستحيلاً، لأن الكون لم يكن ولن يكون له سوى إله واحد، لكن آدم كما هى ذريته، كان ظلوماً جهولاً، لم يدرك فى بلهنية العيش فى الفردوس أنه مجرد عبد مخلوق.
واكتملت الخطيئة حين قتل قابيل أخاه هابيل من أجل إطفاء الشهوة فى فرج الأخت الجميلة، فمات الطيب الذى تقبّل الله قربانه، وعاش الشرير الذى رفض الله قربانه، وتزوج ونسى جريمته، وضاجع وأنجب، ومن نسله جئنا نحن جميعاً، لنكون أبناء وأحفاد القاتل الشرير، وبذا يظل الشر فى هذه الدنيا هو الأصل، والخير هو الاستثناء.
فنحن الناس جُبلنا على الفجور، ولا تدوسه إلا قلة فى طريقها إلى التقوى، والبقية تمارس عشقها للافتراس والقنص طيلة الوقت، شأنها شأن الحيوانات البرية فى الغابات. وطيلة الزمن يظل من بيننا الأسود التى تلتهم بلا رحمة، والضباع الخسيسة التى تنتظر البقايا لتلتهمها بلا تحسب، ومنا الثعالب الماكرة، والأرانب المذعورة، والنعاج المطيعة، والتيوس النطّيحة، ومنا الذئب الغادر الفاجر، والفيلة الضخمة الطيبة، والدببة البليدة، ومنا النسور الجارحة واليمام الوديع.
وإن كنا نتميز عن حيوانات الغابة بأن لنا عقولاً فإن العقل قد يذهب فى سورة الغضب، وإن كنا ندرك أن لنا تاريخاً فقد قتلنا إدراكنا هذا بإيماننا الجازم بأن هذا التاريخ يعيد نفسه، لنسقط فى فخ الدائرة الجهنمية التى ما إن تبدأ حتى تنتهى، وما إن تنتهى حتى تبدأ. وداخل إطارها المغلق بإحكام نتصارع نحن بلا هوادة على كل شىء، ونظل فى رحلة بحث دائم عن القوة والجاه، ولا يوقفنا عن هذا إلا الموت، الذى لولا إدراكنا أنه آت لا محالة، لتحولنا إلى حيوانات أشد فتكاً من الأسود والنمور والضباع والذئاب.
لهذا وزع الحصفاء وعلماء الفراسة وضباط أجهزة المخابرات البشر على سبعة حيوانات، فما إن يروا شخصاً حتى يحيلوه إلى حيوان من تلك السبعة، فيمسكوا بمفتاح سليم لمعرفة الكثير عنه، إنها الحكمة أو الرغبة أو الحاجة، لا يهم، فالكل يدرك فى لحظات الصفاء والاتساق مع الذات، أو لحظات الخطر والحرج، أن الخطيئة التى لازمت وجودنا، والجريمة التى صاحبت إنجابنا، ضالعتان فى صناعتنا من المهد إلى اللحد.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أولاد الخطيئة والإجرام أولاد الخطيئة والإجرام



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 08:36 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

تركيا تشن حرباً اقتصادية من أجل الاستقلال!

GMT 08:33 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيران: تصدير النفط أم الثورة؟

GMT 08:30 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

براً وبحراً والجسر بينهما

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 00:00 2016 الخميس ,22 كانون الأول / ديسمبر

عليك النظر إلى المستقبل البعيد واختيار الأنسب لتطلعاتك

GMT 04:00 2018 الثلاثاء ,03 تموز / يوليو

مستقبل إردوغان

GMT 13:21 2021 الخميس ,22 إبريل / نيسان

عملاق صيني للطرق الوعرة سيظهر العام الجاري

GMT 11:08 2021 السبت ,05 حزيران / يونيو

شركة كيا تكشف عن النسخة الأحدث من طراز K5

GMT 12:43 2017 الأربعاء ,25 تشرين الأول / أكتوبر

وفاة شخص وإصابة 2 بتصادم 3 سيارات في دبي

GMT 06:02 2012 الإثنين ,31 كانون الأول / ديسمبر

اتفاق تعاون بين الأردن والكويت

GMT 12:58 2017 الإثنين ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

آلات قطر الإعلامية والدينية.. والتحريض على مصر وجيشها

GMT 07:04 2021 الجمعة ,29 تشرين الأول / أكتوبر

كثرة التنقل
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia