أحمد رجب

أحمد رجب

أحمد رجب

 تونس اليوم -

أحمد رجب

عمار علي حسن

غيب الموت، فجر الجمعة الماضى، الكاتب الساخر الأستاذ «أحمد رجب» عن ست وثمانين سنة، لكن الشخصيات الكاريكاتيرية التى أبدعها ستعيش طويلاً، لأنها تمثل جانباً مهماً من تاريخنا الاجتماعى المعاصر، الحافل بأوجاع كثيرة ومسرات قليلة، كان، رحمه الله، صاحب موهبة لاذعة، وتمتع بحس فكاهى عميق، وحافظ على درجة معقولة من الاستقلالية والاستقامة، وانحاز لأشواق الناس إلى العدل والحرية والكرامة. وها هو ينضم إلى من رسم شخصياته باقتدار ورحل قبله بقليل، الأستاذ «مصطفى حسين»، وهناك فى رحاب ذى الجلال سيتصالحان إلى الأبد، مع قلوب صافية، ونفوس راضية مرضية.

وقعت عينى على اسم «أحمد رجب»، وأنا فى المرحلة الإعدادية حين كنت أشترى الجريدة بثلاثة قروش من عم إيليا فى القطار الذى أرتاده مع زملاء يجدون فى التعليم فرصة وحيدة لتحسين شروط حياة صعبة، وقرأت «نص كلمة» وتعلقت بها، وكنت أبدأ الجريدة من الصفحة الأخيرة حيث الكاريكاتير الذى كتب هو كلماته القصيرة الساخرة العميقة ورسم «مصطفى حسين» ما يعبر عنها.

وأيام الجامعة قرأت له كتابه الشيق «الأغانى للأرجبانى» الذى جعل من عنوانه المعادل البسيط الساخر من كتاب «الأغانى للأصفهانى» الذى حفظ أعمال شعراء العرب الأقدمين. فى كتابه الذى تقرأه فى جلسة واحدة من خفة ظله ووضوح معناه، يقارن رجب بين كل الأغانى المتداولة لأغلب، إن لم يكن كل، المطربين ليثبت أن كلمات أغانيهم متشابهة بل ومتطابقة، وأن أغلبيتها الكاسحة تدور حول موضوع واحد وهو «الحب» ويقول إن فى الغرب مطربين يغنون لأشياء ومعانٍ أخرى، فبعضهم يغنى لوردة يانعة، أو قيمة نبيلة، أو رحلة ممتعة، أو سحابة بيضاء عابرة، فتصور كلمات الأغانى شعراً ما يلهم الرسامين فيبدعون لوحات جميلة.

وقبل أيام من رحيله كنت أطالع كتابه الأخير: «يخرب بيت الحب» الذى يكمل به كتابه «الحب وسنينه»، لاعباً على وتر العلاقة بين الرجل والمرأة فى الحب والغزل والزواج والتزاماته. ولا يمكن أن ننسى الأفلام الكوميدية السينمائية والتليفزيونية التى كتب قصتها وفصل لها السيناريو مثل «الوزير جاى»، و«فوزية البرجوازية»، و«شىء من العذاب»، و«نص ساعة جواز» و«شنبو فى المصيدة» وغيرها، وجميعها تفضح الترهل والفساد الإدارى وبؤس الأيديولوجيات وتدهور القيم الاجتماعية واتساع الهوة بين الحاكم والمحكومين.

ويبقى أروع ما فى رجب، أن شخصياته الكاريكاتيرية مثل فلاح كفر الهنادوة ومطرب الأخبار وعبده مشتاق وكمبورة وعزيز بيه الأليط والكحيت.. إلخ تمشى بين الناس، وكأنها من لحم ودم وعظام. وحين يقول بعض الكتاب إن رجب اكتشف تغريدات تويتر مبكراً، فهم لا يبالغون، فـ«نص كلمة» كانت جملة واحدة محتشدة بموقف واضح، ومعنى عميق، ومغلفة بسخرية لاذعة. وهذه طريقة ألهمت كثيرين، منهم سيد الساخرين العبقرى الراحل «جلال عامر» الذى زاد عليها بإبداع فن السرد المكثف الساخر المتفاعل مع الأحداث الجارية والذى يغرف فى الوقت نفسه من معين ثقافى فياض، ويكتب الآن الدكتور أشرف السويسى «ربع كلمة» ويجيدها على منوال رجب، وهناك سلطان الحجار، الصحفى بمجلة «أكتوبر» سابقاً و«جريدة الاتحاد» الإماراتية حالياً، والذى جمع ما كتبه فى كتابين أهداهما إلىّ قبل شهور.

لقد شق أحمد رجب طريقاً فى فن الكتابة الساخرة، سيظل يلهم الذين جاءوا بعده، ويجعلنا دوماً نتذكره ونترحم عليه.

 

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أحمد رجب أحمد رجب



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 08:36 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

تركيا تشن حرباً اقتصادية من أجل الاستقلال!

GMT 08:33 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيران: تصدير النفط أم الثورة؟

GMT 08:30 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

براً وبحراً والجسر بينهما

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 18:47 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الدلو الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 18:38 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج القوس الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 14:13 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج العقرب الخميس 29 -10 -2020

GMT 14:08 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج العذراء الخميس 29-10-2020

GMT 15:33 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

يبشّر هذا اليوم بفترة مليئة بالمستجدات

GMT 18:18 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الأسد الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 16:31 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

فرص جيدة واحتفالات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 18:23 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر مع تنافر بين مركور وأورانوس
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia