التعليم والحريات والبحث العلمي وصناعة المستقبل

التعليم والحريات والبحث العلمي وصناعة المستقبل

التعليم والحريات والبحث العلمي وصناعة المستقبل

 تونس اليوم -

التعليم والحريات والبحث العلمي وصناعة المستقبل

أحمد السيد النجار

فعلها المستشار المحترم مجدى العجاتى نائب رئيس مجلس الدولة ورئيس قسم التشريع فيه، ورفض مشروع القانون المعادى للحريات الذى كانت الحكومة قد تقدمت به للمجلس، والذى كان يعتدى بضراوة على استقلال الجامعات.

 وكان مشروع القانون المرفوض يعطى لرئيس الجامعة سلطة عزل أعضاء هيئة التدريس دون مجلس تأديب، وبناء على تقديراته بشأن مشاركاتهم فى «الشغب» أو حمل الأسلحة. وذلك المشروع كان نموذجا للكيفية التى يمكن من خلالها إشعال أزمات واحتقانات بلا مبرر. والشغب وحمل الأسلحة لا يحتاجان لسلطة استبدادية لرئيس الجامعة لمواجهتهما لأن القانون العادى ومجالس التأديب العادية تتكفل بذلك.

والمثير للدهشة حقا أن يتم تقديم ذلك القانون المثير للاحتقان فى وقت تُبذل فيه محاولات لمعالجة قانون تنظيم التظاهر والاحتقانات التى أثارها فى أوساط الطلاب بالذات. فذلك القانون المقيد لحرية التظاهر عمليا وضع الكثيرين من الطلاب السلميين الطامحين للحرية فى مواجهة السلطة السياسية. وبدلا من عزل مجموعات العنف الإخوانية والسلفية ومحاسبتهم بالقوانين العادية الصارمة فى مواجهة العنف، أدى ذلك القانون إلى خلق قضية مشتركة بين المتظاهرين السلميين، ومتظاهرى العنف وتعطيل الدراسة بالقوة من الإخوان والسلفيين. والحكمة تقتضى مراجعة القانون وتعديله بدلا من إضافة موضوع جديد للاحتقان بمشروع القانون الاستبدادى الذى رفضه مجلس الدولة.

ولأن بدء العام الدراسي يعني وجود كتل ضخمة من الشباب في كل جامعة بما يسهل تنظيم الأعمال الجماعية مثل التظاهر، فإن الحل يكمن في فك الارتباط بين المتظاهرين السلميين ومتظاهري العنف من المتطرفين دينيا، وذلك بتعديل قانون التظاهر. وهناك درجة عالية من التوافق بين الشباب الفاعلين سياسيا حول ضرورة تعديل القانون طبقا للتعديلات التي اقترحها المجلس القومي لحقوق الإنسان.

ومن المتوافق عليه ان ابرز عيوب القانون هي فداحة العقوبات التي لا تتناسب مع الفعل المؤثم كما أن المادة 10 تنص على حق وزير الداخلية أو مدير الأمن المختص في رفض التصريح بالمظاهرة أو نقلها أو تأجيلها إذا حصل على معلومات تشير إلى أنها ستهدد الأمن والسلم، وهي مادة تجعل التظاهر السلمي بيد وزارة الداخلية كسلطة منح أو منع، وتنفي عنه صفة الحق الذي تتم ممارسته بالإخطار وفق ضوابط معينة. كما أن المادة 11 المتعلقة بتنظيم استخدام حق الشرطة في فض المظاهرة إذا خرجت عن الطابع السلمي، لا تنص على وجود طرف محايد يحدد خروج المظاهرة عن السلمية، حيث إن الاستعانة بمندوب منتدب من قاضي الأمور الوقتية بالمحكمة الابتدائية هي مسألة جوازية بيد مدير الأمن المختص مكانيا، فضلا عن أنها تتم بعد قرار الشرطة أن التظاهرة تجاوزت القانون، وبعد بدء التعامل معها بمستويات الرد المختلفة. والأفضل أن يكون هذا المندوب موجودا منذ البداية ليحدد مسألة خروج المظاهرة عن السلمية، وما يترتب على ذلك من حق الشرطة في الرد وفقا للضوابط التي حددها القانون. وفي كل الأحوال فإن مصر بعد ثورتين كانت مطالب الحرية والكرامة الإنسانية والمساواة والديمقراطية قاسما مشتركا فيهما، لابد أن تؤكد في كل منظومتها التشريعية والسلوك العملي للسلطة التنفيذية احترامها لهذه المبادئ والمطالب.

وإزاء الشباب بالتحديد لابد ان تتمتع الدولة بدرجة عالية من رحابة الصدر بالنسبة للمعارضة السلمية وممارسة حق التظاهر السلمي، ففي عمر الشباب يتسم البشر عادة بالحماسة، وإذا كان تشرشل قد قال في تفسيره لجموح الشباب إن "من لم يكن راديكاليا في شبابه فلا قلب له، ومن لم يصبح محافظا في شيخوخته فلا عقل له"، فإنه على الدولة أن تكون اكثر رحابة في التعامل مع المعارضة عموما والشبابية خصوصا.

والحقيقة أن المناخ الديمقراطي الذي تجري فيه العملية التعليمية، هو أمر مهم لاستنهاض وتطوير مشاركة الشباب في قضايا وطنهم وصناعة المستقبل والمصير. وفي الوقت نفسه فإن قضية تطوير العملية التعليمية ذاتها وتحويلها إلى أداة حقيقية للتنوير وتعلم مهارات الحياة، فضلا عن المهارات المتعلقة بالعلوم الطبيعية والتطبيقية والإنسانية، أمر في غاية الأهمية. وتشير كل الشواهد إلى أنه ما من أمة تقدمت إلا بالعلم والاهتمام بنشر التعليم، وأيضا بالبحث والتطوير العلميين وتطبيق نتائجهما في الاقتصاد بكل قطاعاته. وهذا الاهتمام ليس أمرا معنويا وقيميا فقط، بل هو بالأساس يتجسد في الإنفاق على التعليم والبحث العلمي، وفي ربط المؤسسات البحثية بقطاعات الصناعة والزراعة والخدمات.

والحقيقة أن الإنفاق العام على التعليم هو الرافعة الأساسية لتعليم الفقراء والطبقة الوسطى كحق لهم على الدولة الطامحة للتقدم والتنوير والتنمية. وللعلم فإن معظم تلك الإيرادات يتأتى من الموارد الطبيعية مثل النفط والغاز والمحاجر وقناة السويس والسد العالي وغيرها من المشروعات القديمة التي بنتها أجيال وحكومات سابقة، وأيضا من الضرائب المباشرة وغير المباشرة التي تدفع الطبقة الوسطى والفقراء غالبيتها الساحقة.

وبالنسبة للإنفاق العام على التعليم تشير بيانات الموازنة العامة للدولة للعام 2014/2015 إلى أنه سيتم رفع مخصصات التعليم إلى94٫4 مليار جنيه تعادل 3٫9% من الناتج المحلي الإجمالي، مقارنة بنحو 4٫1% في العام المالي الماضي. وهذا يعني أن الوزن النسبي للإنفاق العام على التعليم قد تراجع، وهو أمر مخالف لكل التوجهات العامة لتطوير التعليم كرافعة للتقدم في مصر. وهذا الأمر ينبغي معالجته بصورة فعالة في الفترة القادمة.

تجدر الإشارة إلى أن المادة 19 من الدستور المصري الجديد تلزم الدولة إنفاق نسبة لا تقل عن 4% من الناتج المحلي الإجمالي على التعليم قبل الجامعي. كما تلزم المادة 21 من الدستور الدولة إنفاق نسبة لا تقل عن 2% من الناتج القومي الإجمالي على التعليم الجامعي، على أن تتصاعد تدريجيا حتى تتفق مع المعدلات العالمية.

تجدر الإشارة أيضا إلى أن تدني الإنفاق العام على التعليم المستمر من عهد مبارك، قد حدث في إطار إفساح الحكومة، المجال أمام سيطرة القطاع الخاص على "بيزنيس" التعليم في مصر. وكان الإنفاق العام على التعليم في آخر موازنة في عهد مبارك، وهي موازنة العام المالي 2010/2011، قد بلغ نحو 48.7 مليار جنيه، توازي 3.5% من الناتج المحلي الإجمالي، ونحو 11.8% من إجمالي الإنفاق العام في العام المذكور. وكان الإنفاق العام على التعليم قد بلغ نحو 41.7 مليار جنيه في العام المالي 2009/2010 بما يعادل نحو 3.5% من الناتج المحلي الإجمالي في العام نفسه، مقارنة بنحو 39.9 مليار جنيه في العام المالي 2008/2009 بما يعادل نحو 3.8% من الناتج المحلي الإجمالي في ذلك العام.

ووفقا لهذه النسب الحالية والمتحققة في عهد مبارك من الإنفاق العام على التعليم، تعد مصر من أدنى بلدان العالم في الإنفاق العام في هذا المجال، حيث تشير بيانات البنك الدولي إلى أن متوسط الإنفاق العام في المتوسط العالمي على التعليم، بلغ 4.6% من الناتج العالمي عام 2010. وبلغ المعدل نحو5٫5% في منطقة اليورو. كما بلغ المعدل نحو 4٫4% من الناتج في الدول المتوسطة الدخل بصفة عامة.

وحتى الغالبية الساحقة من الدول العربية تقدمت على مصر في هذا المؤشر من عهد مبارك. فقد بلغ الإنفاق العام على التعليم نحو 6٫3%، 5٫4% من الناتج المحلي الإجمالي في كل من تونس والمغرب بالترتيب في عام 2010. وبلغ المعدل في كوبا النامية والمُحاصرة اقتصاديا من الولايات المتحدة، نحو 13٫4% من الناتج المحلي الإجمالي مما جعل مؤشرات التعليم فيها مماثلة للدول الصناعية المتقدمة الغنية. ويبلغ المعدل نحو 5٫5% في الولايات المتحدة، ونحو 5٫4% في بريطانيا. والحقيقة أن هذا المستوى المتدني من الإنفاق العام على التعليم في مصر، لا يتسق مع ما كان نظام مبارك يعلنه عبر كل أجهزته المعنية من رغبته و"تخطيطه" لإنهاء الأمية ورفع مستوى التعليم وتطويره، ولا يتسق حاليا مع اعتبار التعليم هو بوابة مصر للمستقبل.

ولابد من إعادة الاعتبار للإنفاق العام على التعليم للمساعدة على تطويره نوعيا وتحسين مستوى الخريجين وتمكين الفقراء والشرائح الدنيا من الطبقة الوسطى من تعليم أبنائهم بصورة عالية الجودة، وإنهاء الأمية التي تعتبر عارا على أقدم أمة في الدنيا أو أم الأمم. ومن المؤكد أن تحسين التعليم وإحداث ثورة حقيقية فيه لا يتوقفان فقط على رفع الإنفاق العام عليه، لأن الأمر يتطلب ما هو أكثر من ذلك بكثير في تطوير عناصر العملية التعليمية من مناهج وهيئات تدريس ومعامل وأدوات وأبنية وأنشطة.

وتسهم العملية التعليمية بدور حيوي في تأهيل الخريجين للإسهام في البحث والتطوير العلميين. كما أن الإنفاق الموجه للبحث والتطوير العلميين يسهم بدوره في تحديد تأثيره على الاقتصاد، علما بأن الغالبية الساحقة من الإنتاجية صارت تتحدد بتطبيق نواتج البحث العلمي من براءات الاختراعات.

ومن أفضل ما جاء به الدستور المصري الجديد في هذا الشأن، هو تحديد نسبة 1% من الناتج المحلي افجمالي، كإنفاق عام على البحث العلمي. لكن هذه النسبة لم تطبق فعليا في الموازنة العامة للدولة. تجدر الإشارة إلى أن المتوسط العالمي للإنفاق على البحث والتطوير العلميين خلال الفترة من عام 2005 حتى عام 2010 قد بلغ 2٫2% من الناتج العالمي. وبلغت النسبة 3٫5% في اليابان، ونحو 2٫8% في الولايات المتحدة الأمريكية، ونحو 4٫3% في الكيان الصهيوني، ونحو 2٫8% في ألمانيا، ونحو 1٫5% في الصين، ونحو 0٫64% في المغرب، ونحو 1٫1% في تونس، ونحو 0٫93% في جنوب إفريقيا. وكان طبيعيا والحال هكذا أن تكون الصادرات العالية التقنية في مصر مجرد 96 مليون دولار عام 2010، بينما بلغ الرقم في العام نفسه، نحو 897 مليون دولار في المغرب، ونحو 611 مليون دولار في تونس، ونحو 8 مليارات في الكيان الصهيوني، ونحو 406 مليارات دولار في الصين، ونحو 145٫5 مليار دولار للولايات المتحدة، ونحو 158٫5 مليار دولار لألمانيا، ونحو 122 مليار دولار لليابان، ونحو 1٫4 مليار لجنوب إفريقيا.

كما أن مصر أصبحت بسبب التخلف التكنولوجي تعتمد على خدمات الشركات الأجنبية في التنقيب عن النفط والغاز واستخراجهما وفي استخراج الذهب وغيره من المعادن، وهي تدفع ثمنا أكثر من نصف احتياطياتها من هذه الموارد الطبيعية. وقد اصبحت الموارد والأموال التي يتم نزحها من مصر بهذه الطريقة آلية هائلة لاستنزاف تلك الموارد. ومن المؤكد ان إعلاء شأن البحث والتطوير العلميين والعملية التعليمية الجامعية وما قبل الجامعية بكل الوسائل، وربط نتائج البحث بقطاعات الإنتاج، يمكن أن ينقذ قسما مهما من الأموال والموارد التي تحصل عليها الشركات الأجنبية العاملة في قطاع الموارد الأولية في مصر. ولأن التعليم والبحث العلمي ينتعشان ويتطوران في مناخ الحرية، فإن مصر بحاجة إلى اقصى درجة من الرحابة مع شبابها مادام عملهم السياسي والثقافي في إطار سلمي مهما كان حادا في نقده للسياسات العامة، فالمجتمعات أزاحت فترات الركود وتطورت اساسا نتيجة الرؤى النقدية التي تطرح البدائل وتفتح بوابات للمستقبل.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

التعليم والحريات والبحث العلمي وصناعة المستقبل التعليم والحريات والبحث العلمي وصناعة المستقبل



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 08:36 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

تركيا تشن حرباً اقتصادية من أجل الاستقلال!

GMT 08:33 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

إيران: تصدير النفط أم الثورة؟

GMT 08:30 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

براً وبحراً والجسر بينهما

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 18:47 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الدلو الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 18:38 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج القوس الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 14:13 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج العقرب الخميس 29 -10 -2020

GMT 14:08 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج العذراء الخميس 29-10-2020

GMT 15:33 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

يبشّر هذا اليوم بفترة مليئة بالمستجدات

GMT 18:18 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الأسد الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 16:31 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

فرص جيدة واحتفالات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 18:23 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر مع تنافر بين مركور وأورانوس
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia