محمد سلماوي
قبل أيام من الزيارة المرتقبة للرئيس عبدالفتاح السيسى إلى الولايات المتحدة لحضور اجتماعات الأمم المتحدة عقد «معهد الشرق الأوسط» Middle East Institute مؤتمراً مهماً حول الأوضاع الحالية فى مصر تحت عنوان «مصر.. مواجهة التحديات والتحكم فى الإمكانيات»، شارك فيه عدد كبير من الشخصيات، كان من بينها وزيران سابقان هما نبيل فهمى، وزير الخارجية، وأحمد جلال، وزير المالية، بالإضافة لهالة شكرالله، رئيسة حزب الدستور، وسامر شحاتة، أستاذ دراسات الشرق الأوسط فى جامعة أوكلاهوما، وداليا فهمى، أستاذ مساعد العلوم السياسية بجامعة لونج أيلاند، ورجل الأعمال أحمد الألفى، ووائل جمال، الباحث والكاتب الاقتصادى، وكاتب هذه السطور، وغيرهم.
والحقيقة أننى رفضت بعض دعوات المشاركة فى مؤتمرات مماثلة من معاهد ومراكز بحث أخرى أعلم أنها لا تبحث عن الحقيقة بقدر ما تحاول تأكيد صورة خاطئة مازالت دوائر كثيرة فى الولايات المتحدة تتمسك بها. أما «معهد الشرق الأوسط»، والذى أعرف العاملين به جيداً، فهو هيئة علمية تتميز بالموضوعية ومحاولة تقديم صورة صادقة لما يجرى فى مصر بجميع جوانبه الإيجابية والسلبية، ولكل وضع فى أى بلد جوانبه الإيجابية والسلبية، وهو ما قدمه بصدق المؤتمر الذى عقده المعهد فى العاصمة واشنطن منذ أيام.
وتقول رئيسة المعهد، السفيرة السابقة وندى تشمبرلن، إنها أرادت النظر إلى الوضع فى مصر من خلال عيون المصريين أنفسهم ممن يتابعون عن كثب شؤون بلادهم، بالإضافة لبعض المصريين المقيمين فى الولايات المتحدة والذين ينظرون لمصر من خارجها، لكن المعهد حرص - على حد قولها - على أن يكونوا جميعاً أهل خبرة ليقدموا صورة صادقة عن الوضع الحالى فى مصر، وإن اختلفت مواقفهم وتعددت اختصاصاتهم، ومن أجل ذلك جاءت وندى تشمبرلن إلى مصر فى بداية هذا العام مع مساعدها بول سالم لبنانى الأصل وقابلت عدداً كبيراً من المصريين من جميع الاتجاهات.
وقد شرفت بأن شاركت فى الجلسة الافتتاحية للمؤتمر، وكنت أول المتحدثين فيها، وكان موضوعها هو «إصلاح الدولة وتدعيم المشاركة»، والمقصود هنا بالمشاركة هو مشاركة كل الاتجاهات فى العملية السياسية، والمقصود بكل الاتجاهات السياسية هو بالطبع جماعة الإخوان المسلمين، وتلك حقيقة فى القاموس السياسى الحالى فى الولايات المتحدة الخاص بمصر ينبغى التعامل معها رغم ما تنطوى عليه من مغالطات فادحة وما تعبر عنه من تحيزات واضحة أشرت إليها فى كلمتى.
وقد تعاملت مع تلك الدعوة منذ بداية حديثى قائلاً إن هناك بالفعل مشكلة، وهى تتمثل فى أن تنظيم الإخوان يرفض تلك المشاركة، وإن كانت هناك اتجاهات إسلامية أخرى لها موقف مغاير، وأنه اختار النزول إلى الشارع والتصدى لإرادة الشعب التى عبرت عن نفسها فى 30 يونيو 2013 وفى الاستفتاء على الدستور الجديد وفى انتخابات الرئاسة وفى المرة تلو الأخرى كان الاختيار مغايراً لما يطالب به الإخوان الذين مازال موقعهم الرسمى حتى الآن يتحدث عن محمد مرسى باعتباره الرئيس الشرعى!! وهو ما لم يعد يقوله أحد، ثم أضفت: «ولا حتى الولايات المتحدة»، فضجت القاعة بالضحك.
ثم بدأت أتحدث عن مصر الجديدة التى وضع الدستور الجديد ملامحها والتى تقوم على الديمقراطية والحرية وتجعل مصر دولة مدنية حديثة، ورغم أن البرلمان، الذى سيحول مبادئ الدستور إلى قوانين ولوائح تنظم حياة المصريين، لم يقم بعد، إلا أن هناك عدة خطوات اتخذت على طريق الدولة الديمقراطية المدنية الحديثة، منها خريطة الطريق التى جعلت الانتخابات الطريق الوحيد للوصول إلى السلطة من خلال إرادة الجماهير، ومنها الإصرار على تشكيل البرلمان الجديد رغم مطالبة البعض بتأجيله، وهو البرلمان صاحب الصلاحيات السياسية غير المسبوقة والتى لا تركز السلطات جميعاً فى يد رئيس الجمهورية، وأنهيت حديثى بالإشارة إلى الشباب الذى قاد الثورة والذى يقوم الجانب الفاعل منه الآن بالاستعداد لخوض الانتخابات البرلمانية والمحلية والذى يقوم بتنظيم نفسه فى أحزاب «تمرد» أو فى حركات سياسية «التيار الشعبى»، كما أشرت إلى بعض الأحزاب الأكثر تعبيراً عن هؤلاء الشباب والتى تستعد هى الأخرى لخوض الانتخابات مثل حزب الدستور وحزب المصريين الأحرار وغيرهما، ما ينبئ بشكل المستقبل الذى نتطلع إليه بعد أكثر من ثلاث سنوات من قيام الثورة.