محمد سلماوي
فى بعض الأحيان أتصور أن الإعلام المصرى الذى كان له دور فاعل فى تعبئة الجماهير ضد حكم الإخوان المستبد، قد صار فجأة إعلاما إخوانيا يستغل معاناة الناس لتأليب المواطنين على النظام الحالى ولتصوير القرارات الاقتصادية الأخيرة على أنها محاولة لتحميل الفقراء مزيدا من الأعباء الاقتصادية.
هذه نغمة واضحة سارعت إليها بعض الأقلام ووسائل الإعلام باعتبارها الصيغة الجاهزة التى تعودت عليها الصحافة طوال العقود الماضية، لذلك فهى تأتى كرد فعل جاهز وسهل لا يكلف صاحبه عناء التفكير والتحليل من أجل توعية المواطنين بحقيقة الأوضاع التى استدعت هذه القرارات، والذى هو الدور الحقيقى للإعلام، والذى قد لا يصنع «المانشيتات» المثيرة من عينة «الأسعار تشتعل والناس تنفجر»!، لكنها تساعد المواطن على علاج المشكلة وتخطى الأزمة.
أما النغمة الثانية التى سادت فى الإعلام فكانت من بعض من وجدوا من الصعب رفض هذه القرارات التى تتفق كل الآراء على ضرورتها باعتبارها الحل الوحيد لعلاج الاقتصاد الوطنى الذى اعتمد، طوال العقود الماضية، على سياسة الاستدانة وتحميل الأجيال القادمة عبء دفع أقساط وخدمة دين لا قبل لهم به أو إشهار الإفلاس.
وهؤلاء لا يستطيعون القول إن القرارات كانت خاطئة، أو إنها لم تكن ضرورية، لذلك تنصب انتقاداتهم - والصحافة عندهم يجب أن تنتقد - على أن الوقت لم يكن مناسبا، لأننا فى رمضان والدنيا صيام!! وهم فى ذلك فشلوا فى فهم أسلوب عمل الرئيس السيسى الذى تحركه ضرورة اتخاذ القرارات الواجبة وليس عمل التوازنات التى تضمن عدم تأثر شعبيته.
وقد فات هؤلاء أن الوقت المناسب الذى يتحدثون عنه لا يأتى أبداً، فليس هناك وقت مناسب لأخذ دواء مر وآخر غير مناسب، وإنما هناك ضرورة لتجرع الدواء على مرارته فى أسرع وقت ممكن وقبل أن يستفحل بالمريض ولا يعود يجدى معه علاج، فإذا كان الظرف الآن غير مناسب لأن الدنيا صيام فإن الظرف القادم هو عيد الفطر والظرف التالى هو بداية المعركة الانتخابية، وكلها بنفس المفهوم ظروف غير مناسبة، فالحقيقة هى أن الظرف المناسب لا يكون إلا بعد انتهاء فترة الحكم الحالى ومجىء حكومة أخرى تتحمل هى عبء المديونية التى ستكون قد تضاعفت عدة مرات.
ووسط هذا التخبط الإعلامى بدأت أتبين الآن إعلاما آخر أكثر وعيا وأكثر دقة، إعلاما لا يلهث وراء الإثارة التى سئمها الشعب، وإنما وراء المعلومة المفيدة والتحليل الثاقب، وهذا الإعلام هو الذى سيلتف حوله المواطنون لأنه يحترم عقولهم ويعلى مصلحتهم ولا يتاجر بمعاناتهم كما تفعل الآن عناصر الإخوان ومن ينساقون وراءهم استسهالا وبحثا عن الرواج.