عدوك داخل بيتك

عدوك داخل بيتك

عدوك داخل بيتك

 تونس اليوم -

عدوك داخل بيتك

بكر عويضة
بقلم : بكر عويضة

تقاطُر مئات المواطنين، منذ مساء نهار الجمعة الماضي، وحتى اليوم، إلى موقع طعن سير ديفيد أميس، النائب في مجلس العموم البريطاني، يستحضر من دفتر الذاكرة مضمون ما ذهب إليه قول شائع بين معظم الناس في مختلف المجتمعات، خلاصته أن الوفاء لن يذهب هباء، بل يبقى بعد رحيل من ارتبطت أسماؤهم وأسماؤهن به. سير أميس واحد من هؤلاء. بدا من الواضح للمتابع أن كل الذين توافدوا إلى مقر اللقاء الدوري بين السياسي المخضرم، والناخبين في دائرته، كانوا من بسطاء الناس، وأنهم مثلوا شرائح عدة من فئات المجتمع. رجال ونساء، شبان وشابات، مسِنون ومسنات، مراهقون ومراهقات، كلهم أتوا يحملون باقات ورود وأزهار كي يوسدونها الرصيف المقابل للمقر، حتى كادت الأكاليل تبدو كما جبل يرتفع أمام المكان. لو خطر لأحد أن يطرح التساؤل؛ لماذا كل هذا التقدير؟
فإن الجواب كان سيأتيه فوراً؛ لأن السياسي المحافظ كان وفياً لما آمن به من سياسات حملته إلى البرلمان في كل انتخابات خاضها منذ عام 1983، حتى حين كانت القيم والمبادئ تضعه في موضع تصادم مع حكومات حزبه، ولذا احتفظ ناخبوه، بل خصومه السياسيون أيضاً، له بمكانته المتميزة تلك بين غيره من ساسة بريطانيا.
سؤال أخطر الأغلب أنه تردد فور الكشف عن هوية القاتل؛ لماذا يُقدم شاب مسلم على قتل سير ديفيد أميس؟ ولا عجب إذا تضمن السؤال الاستغراب إزاء أن الشاب ابن الخامسة والعشرين، لم يزل في أول الطريق، وأن المستقبل المفتوح أمامه طويل، وعلى الأرجح كان سوف يحمل الخير له ولكل أسرته، وكذلك للبلد المضيف الذي آوى عائلته المهاجرة من دولة تعاني الفشل كما الصومال؟ تُرى، هل من إجابة تحمل المعنى الشافي من كل حيرة؟ كلا. ليس من شرح كاف لأن يبدد جوانب الحيرة كافة.
نعم، قيل من قبل، وسوف يقال دائماً، إن ما ساد من مفاهيم مناهج التطرف باسم الدين، وتغلغل كما السرطان في عقول المخدوعين، سوف يحتاج سنيناً طويلة كي يُجتث من جذوره، وحتى يتم ذلك يجب ألا يُستغرب وقوع حدث مثل طعن النائب أميس، أو حادث الإرهاب باستخدام القوس والسهم، الذي وقع قرب أوسلو، عاصمة النرويج، الأربعاء الماضي. نعم، ذلك قول صحيح، لكنه ليس كل القصة.
جانب مهم في القصة قليلاً ما يحظى بالقدر الذي يستحق من اهتمام. ذلك الجانب هو الذي أوحى بعنوان المقال، رغم أن نص المصدر الأساس أكثر وضوحاً، وأشد إيلاماً، إذ يزعق قائلاً إن عدوك قد يشاركك غرفة نومك، تماماً كما ورد في عنوان فيلم «Sleeping With The Enemy». صحيح أن جوهر السيناريو، فيما يخص الشريط الأميركي (1991) يتعامل مع حالة شخص، لكن إسقاط مواصفات وضع فرد ما على مجتمع بأكمله جائز إذا كان القصد هو محاولة فهم الحالة، والبحث عن سبل علاج تام منها. الشخصية الأساس في «النوم مع العدو» هي لرجل حقق من النجاح القدر المرموق في مجال الاستثمار، وأصبح بالتالي أحد كبار اللاعبين في أسواق المال، ولا غرو إذن إذا كانت زوجته حسناء ذات قدر من الجمال يلفت أنظار الرجال، فيكثرون القول إنه محظوظ بها. أيكون ذلك الإعجاب بزوجته هو تحديداً سر الغضب المكظوم داخله؟ كلا، الواقع الذي لم يتضح للزوجة نفسها إلا بعد أشهر من الزواج، يقول إن ذلك الرجل حاد الطبع، أساساً، متقلب المزاج، خصوصاً داخل البيت، وخارج العمل عموماً، يكفي أن يلحظ أي أمر تافه لا يروق له، كي ينفجر غاضباً، بل ويلحق أذى جسدياً بزوجته.
تلك الشخصية، التي تخدع غيرها حتى تصل مراميها، ثم تصبح العدو المقيم داخل البيت، عانى منها واقع أكثر من مجتمع في العالم ككل، وفي مختلف المراحل. الشاب الذي قتل النائب سير ديفيد أميس صار عدواً داخل بيت أسرته ذاتها، منذ بدأ يفهم دينه خطأً، وصولاً إلى ارتكاب جرم معاد أصلاً لقيم الدين ذاته. اليوم تمر عشرة أعوام على العشرين للشهر ذاته من عام 2011، يوم اكتشاف مخبأ معمر القذافي، ثم قتله بأسلوب بشع أمام الملأ. ذلك أيضاً رجل بدأ وديعاً يبشر بأمل، إلى أن كشف بنفسه عن الأصل في شخصيته؛ حدة الطبع، تقلب الأهواء، تقديس الذات، تحقير الآخرين... وبقية القصة يعرفها الجميع.

 

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عدوك داخل بيتك عدوك داخل بيتك



GMT 07:51 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

السائح الدنماركي... وجولة المستقبل الخليجي

GMT 07:49 2021 الإثنين ,13 كانون الأول / ديسمبر

حجر مصر

GMT 08:29 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في أحوال بعض القوى السياسيّة في لبنان

GMT 08:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

في بلد استضاف عبد العزيز

GMT 08:42 2021 السبت ,11 كانون الأول / ديسمبر

الدولة الوطنية العربية وتنازُع المشاهد!

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 14:16 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج القوس الخميس29-10-2020

GMT 16:15 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

النزاعات والخلافات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 16:45 2019 الخميس ,04 إبريل / نيسان

أبرز الأحداث اليوميّة عن شهر أيار/مايو 2018:

GMT 17:32 2019 السبت ,30 آذار/ مارس

آمال وحظوظ وآفاق جديدة في الطريق إليك

GMT 18:26 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الميزان الإثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 18:11 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر بيوم مناسب لك ويتناغم مع طموحاتك

GMT 10:44 2013 الثلاثاء ,09 إبريل / نيسان

شرش الزلّوع منشط جنسي يغني عن الفياغرا

GMT 14:55 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

يحذرك من ارتكاب الأخطاء فقد تندم عليها فور حصولها

GMT 18:34 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

تضطر إلى اتخاذ قرارات حاسمة

GMT 03:04 2017 الخميس ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار مبتكرة لجعل مداخل المنازل أكثر جاذبية

GMT 11:39 2021 الإثنين ,27 أيلول / سبتمبر

القبض علي عملية هجرة غير شرعية في سواحل صفاقس
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia