​رائحة طعام أمي

​رائحة طعام أمي

​رائحة طعام أمي

 تونس اليوم -

​رائحة طعام أمي

بقلم : علي حياصات

قيل إن رشة عطر واحدة كفيلة بإعادتك إلى عالم الذكرى الذي طوته السنين، وقيل كن كالعطر تجذب انتباه من حولك بصمت.

أؤلئك الذين كتبوا أو تناقلوا روعة ورائحة العطر لم يعرفوا يوما تركيبة (الحواجة) المختبئة كالمارد في القمقم في مطبخ أمي الغالية.. لم يعرفوا معنى عبق وبخور الطعام الذي يلامس قلبي كلما طرقت بوابة البيت.

كيف لتلك الأيادي الطاهرة التي لم تدرس في فنادق السوبر ستار أو إتيكيت المقادير أن تنثر أنفاس العطاء في وجبة طرح الله بها البركة والخير.. نتقاسم أجزاء الطعام ويبقى منه للغائب حتى يعودوا من عملهم.

لم يعرفوا معنى أن توزع حصص الطعام ووجبة الغداء بالتساوي وتنثر كما شقائق النعمان في الحقول والمروج، لكل منا حصته فنأخذ ما كتبه الله لنا من يد أمي الغالي الناعمة التي لم تمسها الكريمات ولا واقيات الشمس.. إيمانا منها وخوفا من أن يعشق الطعام لهذه الرائحة فيسيء إلى سمعة الطبيخ، فليست القهوة وحدها عاشقة لرائحة ما حولها، ولكن كل الطعام عاشق ويبوح بأسرار تلك الأيادي التي تصنعه.

المقادير بكمشة اليد.. أو بضم الأصابع.. ليس بملعقة مهزوزة كالذين يمسكونها، ولا أوراق أو أشياء ليس بيننا وبينها ثقة أو سابق معرفة..

فقط الحواجة والفلفل.. ورشة الملح التي تطرد عيد الحسد عن كل بيت بمنظور أمهاتنا اللاتي لم تعرف قلوبهن النفاق حتى في صنع الطعام.

كان الطعام مملوءا ببركة اللمة واجتماع العائلة لا يسكب الطعام إلا باجتماع العائلة، لا يسكب الطعام إلا عند حضور والدي رحمه الله.

وعندما نشعر بالجوع تشغلنا أمي بأن نقف على شباك بيتنا ننتظر والدي اعتقادا منا وببراءة طفولتنا أن الانتظار "بيرجع الغياب" وأن مد البصر مع أفق الطريق يجعل عودة الغائب أسرع.

لم نعرف أننا ونحن أمام النافذة ننشغل بالمارة والناس ولعب الأطفال فننسى الوقت ولا ننتبه إلا عندما يصل والدي.

انزرع في داخلنا أن الطعام تزيد بركته في اللمة.. لم يكن يسمح لنا ونحن صغار أن نأكل من الطنجرة وهي على الغاز فتعلمنا أن نأكل معا.. وبحضور الجميع.

ولما كبرنا أقنعونا بأن من يأكل من الطنجرة سيكون عرسه في الشتوية، فحافظنا على لمة واجتماع الأهل على الطعام.

غادرتنا هذه الأيام.. ولم يبقَ لنا إلا طعام أمي يجمعنا بذكرياته، ولا أعرف إذا وقفت مرة أخرى أمام نافذة منزلنا.. أنتظر الغائب.. هل سيعود؟ أم إننا صحونا من سكرة الطفولة وعرفنا أن الغائب لا يعود ولن يعود، فلم يعد يشغلنا شيء سوى متاعب الحياة.

رحم الله والدي.. وأخي.. وكل غائب 

وربي يطوّل عمرك يا يمه.​

tunisiatoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

​رائحة طعام أمي ​رائحة طعام أمي



GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 18:47 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الدلو الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 18:38 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج القوس الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 14:13 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج العقرب الخميس 29 -10 -2020

GMT 14:08 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج العذراء الخميس 29-10-2020

GMT 15:33 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

يبشّر هذا اليوم بفترة مليئة بالمستجدات

GMT 18:18 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الأسد الاثنين 2 تشرين الثاني / نوفمبر 2020

GMT 16:31 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

فرص جيدة واحتفالات تسيطر عليك خلال هذا الشهر

GMT 18:23 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر مع تنافر بين مركور وأورانوس
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia