المدرسة وترسيخ ثقافة المسؤولية في المجتمع

المدرسة وترسيخ ثقافة المسؤولية في المجتمع

المدرسة وترسيخ ثقافة المسؤولية في المجتمع

 تونس اليوم -

المدرسة وترسيخ ثقافة المسؤولية في المجتمع

عماد بنحيون

ما دام العلم هو التجسيد الأكمل للعقل في محاولة فهم الإنسان للعالم، فقد حافظ العقل على ثقة الإنسان فيه مشرعا يمنح صاحبه الوسائل والآليات لسن قوانين الحياة وتنظيم المجتمعات، حتى أصبح كل ما يرتبط من نواميس وقوانين وعادات وتقاليد في هذا العالم من صنعه سواء كان توليدا أو استنباطا أو استدلالا وفق قواعد المنطق الموضوعة من طرفه أو تحكيما عن طريق الاستشهاد بتجارب أو بواسطة افتراضات أساسية يسلم بها ويستند إليها ليدرك طبيعة العالم المحيط به، أو مسلمات من الكتب السماوية عن طريق تأليف نسق الفكر أو المعتقدات أو الرموز، مستعملا حواسه للتفاعل مع العالم المحيط به ومتجاوبا بواسطة عقله مع واقعه الموضوعي ومحيطه الطبيعي والاجتماعي وثقافته التي تزوده برؤية محددة لهذا العالم.

المدرسة إذن، الفضاء الأمثل الذي يصور نموذجا لحياة اجتماعية كما يطلبها العقل، وكما يخطط لها، فهي التي يتشكل ضمنها مجموع الأنشطة المعرفية والقيمية والمهارية، تشاركية كانت أم فردية، التي تستهدف تكوين شخصية التلميذ وتطعيم ثقافته وتنمية رصيده المعرفي والثقافي، بهدف تعزيز إيمانه بإمكاناته الذاتية واستقلاليته، وتدعيم مبدأ احترام الآخر، وترسيخ ثقافة المسؤولية في المجتمع وتطوير معناها الاجتماعي، ووضعها في سياق التعاون والتكافل والتآزر والتضامن والتكامل.

والحرص على التقاء أهدافها وتقاربها مع أهداف المدرسة وخلق التوازن المنشود مابين متطلباتها ومتطلبات المجتمع الإنساني، وإنتاج وتوفير ما يشبع الحاجات الأساسية لأفراده الذين تتشكل ذات العنصر الواحد منهم وهويته من خلال اجتماعه بالآخرين وتفاعله معهم، مع الحفاظ على الممارسات الثقافية والاجتماعية الأصلية وتطويرها بشكل يتلاءم مع النموذج المجتمعي الذي يطمح العقل إلى تكوينه وتطويره.

وبما أنه لا يختلف اثنان أن المدرسة أينما كانت تحتاج إلى دعم ومساندة دائمة من محيطها المجتمعي، سواء كان من طرف الآباء أو أولياء الأمور بصفة خاصة، باعتبار الأسرة مدرسة أولى ترافق الإنسان منذ ولادته إلى وفاته أو من طرف مختل البنيات المكونة له بصفة عامة، لتحسين جودة التعليم بالمؤسسة المخول لها من طرف المجتمع تربية الفرد وترسيخ ثقافة المسؤولية لدى أبنائه، وجعلهم نموذجا لهم في تحمل المسؤولية التي يجب أن تكون شعارا وواقعا في نفس الآن، تنعكس عليهم بواسطة مشاركتهم الدائمة ورغبتهم في المشاركة الفعالة في جهود تحسين التعليم، وزيادة فاعلية المدرسة في تحقيق وظيفتها التربوية، وترسيخ ثقافة المسؤولية لدى جميع أفراد المجتمع الذي لا يمكن أن يؤدي وظائفه الأساسية إلا من خلال تماسك بنياته الأساسية، لأن المدرسة الجيدة هي تلك التي تمكن من بناء علاقة جيدة ما بين أفراد محيطها المجتمعي وهي التي تستطيع أيضا زرع العادات الإيجابية وترسيخ ثقافة الحق والواجب، والإحساس بالمسؤولية، عن طريق زرعها في أفراده الصغار باعتبارها ثاني آلية للتنشئة الاجتماعية داخل المجتمع بعد الأسرة.

دعم المجتمع للمدرسة إذن لا يمكن أن يصل إلى الشكل المطلوب الذي يمكنها من تحقيق أهدافها، إلا إذا كان دعما نابعا من إحساس بنياته الأساسية المكونة من أفراده، بمسؤوليتهم تجاهها وتجاه عناصره. فالفرد المكون له يجب عليه أن يشمر عن سواعده وأن يتحمل المسؤولية ويرسخ لها في محيطه للتغلب على الثقافات المتعددة التي سادت و انتشرت لدى الصغير قبل الكبير، فتبنت ثقافة التبرير والنقد السلبي الذي ينبني على المؤامرة وتصفية الحسابات، التي تساهم في مزيد من التمزق الاجتماعي وخلق العداوات والتملص من المسؤولية وتحميل مسؤولية الاخفاقات للآخر بدلا من الاعتراف بمنجزاته لكي يتحمل هو الآخر مسؤوليته عند الخطأ قبل الصواب.

فترسيخ ثقافة المسؤولية وتحقيق التماسك الاجتماعي يفرض ضرورة تعايش وتفاعل أفراده مع بعضهم البعض للوصول بها إلى التكامل و الاقتناع بترابط مصالح أعضائه بمصالح الآخرين، ذلك لأن استقراره وتماسك أي مجتمع رهين بقدرته على استيعاب التغيرات التدريجية وقابليته للتحول والتجديد وفق مقاربة يتحمل جميع عناصره مسؤوليتهم كاملة فيها بإقرار الحق والاعتراف بالواجب وبواسطة أداة من صنعه ووضعه تدعى المدرسة

tunisiatoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المدرسة وترسيخ ثقافة المسؤولية في المجتمع المدرسة وترسيخ ثقافة المسؤولية في المجتمع



GMT 11:20 2021 الأحد ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

في متاهات التعليم

GMT 06:21 2019 الأحد ,09 حزيران / يونيو

الثانوية الكابوسية.. الموت قلقا

GMT 08:34 2018 الأحد ,08 إبريل / نيسان

المُعلم الكشكول!

GMT 10:35 2018 الخميس ,22 آذار/ مارس

الباشوات والبهاوات في الجامعات

GMT 06:17 2018 الجمعة ,02 آذار/ مارس

أبي حقًا

GMT 09:30 2017 الإثنين ,18 كانون الأول / ديسمبر

تقييم رؤساء الجامعات

GMT 06:35 2017 الأربعاء ,13 كانون الأول / ديسمبر

التلميذ.. ونجاح الأستاذ

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 14:21 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الجدي الخميس 29-10-2020

GMT 14:05 2020 الخميس ,24 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج الأسد الخميس 29-10-2020

GMT 08:29 2021 الجمعة ,07 أيار / مايو

مسلسل ''حرقة'' أفضل دراما رمضانية في تونس

GMT 05:48 2018 السبت ,13 كانون الثاني / يناير

اكتشاف تقنية جديدة تساعد في إنقاص الوزن الزائد

GMT 05:31 2016 السبت ,26 آذار/ مارس

البردقوش فوائده واستخدامه

GMT 00:15 2016 الثلاثاء ,04 تشرين الأول / أكتوبر

فوائد الشطة لعلاج مرض الصدفية
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia