لِيَمِيز الخبيث

لِيَمِيز الخبيث...

لِيَمِيز الخبيث...

 تونس اليوم -

لِيَمِيز الخبيث

بقلم : عبدالله العجمي

إن حياتنا التي نعيشها قائمة على قواعدَ ثابتة وأسسٍ متينة وتوازناتٍ دقيقة..

قواعد تقضي بأننا سنقوم بتسديد ما أخذناه يوماً.. قواعد تقوم على مبدأ أن كل ما هو موجود في هذه الحياة فهو كافٍ للجميع.. وأن جُلّ ما يمكننا صنعه وفعله تجاه هذا الموجود هو إعادة تقييم نظرتنا إليه من عدّة زوايا.. قواعد تخبرنا بأن كل ما نتمناه ونطمح إليه من سعادة وهدوء واستقرار، إنما هو متوفر حتماً.. ولكي ننال كل ذلك علينا استغلال الفرص كل حسب طريقته وقدراته وطاقته.. فلكلٍّ منا طريقته وأسلوبه ومنهجيته.. وألا نعتمد على الخلطات الجاهزة في الكتب ذات العناوين الرنّانة، لذا يجب علينا أن نحسم أمرنا ونحدد خياراتنا.. أفي النور نريد أن نعيش أم في عتمة الظلام؟!

فمثلا: الغذاء الموجود على هذه البسيطة كافٍ لنا جميعاً.. ولكن هنالك بالمقابل من يعيش في جوع.. أتعلمون لماذا؟ ولِمَ يقضي البعض نحبهم جياعاً؟!. هذا لأنه هنالك سوء تطبيق للمعادلة الكونية.. أي أن البعض منا قد أخذ من هذا الأكل أكثر من حاجته.. إذاً فالمعادلة واضحة وقد ذكرها الإمام علي بن أبي طالب في إحدى خطبه حين قال: "ما جاع فقيرٌ إلا بما مُتِّع به غنيّ" .. هذا ما هو حاصل تماماً أمام أعيننا، نرى أن البعض يقوم بأخذ ما يفوق احتياجه.. ليعيش البعض الآخر في عالم الفقر والجوع!!

ولنعرّج مثلاً على السعادة.. فهي متوفرة في هذه الأرض وكافية لجميع من يسكن عليها.. لكن حينما تختلّ المعادلة.. أي أن يقوم البعض ببناء سعادتهم على تعاسة البعض الآخر، فإننا حتماً سنرى من يعيش في حزن ونكد.. وهلمّ جرّا على باقي الأشياء.. ففي الحياة ماء لنا جميعاً.. وشمس لنا جميعاً.. وحب للكل.. ولُطف للكل.. فكل ما فيها من نِعمٍ يكفي الجميع.. لكن بشرط أن يعيش الجميع ونفوسهم راضية بكل هذا التوازن وهذا التقاسم المُحكم.. دونما حِقدٍ وحسدٍ وتباغضٍ.. ولنقنع بما لدينا من نعم وألا نقارنها بنعم غيرنا.. ولقد وضع المولى عز وجل لنا هذه القاعدة في كتابه العزيز حين قال: "ولا تمدّنّ عينيك إلى ما متعنا به أزواجاً منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه"

والأهم من هذا كله.. أن نحاول جاهدين إعادة جدولة أفكارنا لتسير وفق هذا التوازن ونعيد التفكير في دواخلنا وعقولنا وقلوبنا لنتساير مع هذه الأسس الكونية.. هل تدركون أن أمام ناظرينا كل ما نريده ونسعى إليه لنعيش بسكينة وهدوء وسلام.. فهناك ما يكفي لنا بل ويزيد أحياناً عن حاجتنا لنستطيع به قضاء حاجات غيرنا أيضاً .. كل ما هو مطلوب منا أن نشخص هذا التوازن لنروم أن ننعم بحياة تلفّها سعادة أقوى من كل ما يواجهنا من ابتلاء وأسى مهما كان هذا الابتلاء عظيماً ومهما أحاط بنا الأسى من كل جانب..
لنستطيع أن نكون مطمئنّين أثناء أي عاصفة.. مسلّمين بأنها يوماً ما ستهدأ وتسكن.. راضين بكل ما يمكن أن تسببه من ضرر.. لنواصل –بعدها- مشوار حياتنا من جديد.

لست في مقامٍ أعِظكم فيه، ولا أعلم أين تكمن سعادتكم لأدلكم على طريقها.. ولكننا نستطيع أن نتلمّس ونتحسس طريقها.. فأنا لا أؤمن بالخلطات الجاهزة التي تنشر على صفحات الكتب وفي أروقة المنتديات والمدونات.. ولا أقدر أن أصل إلى تشخيص ثابت للسعادة حتى أجزم أن هذه هي..

وهل يا ترى ممكن أن يسعد البعض وهو عاجز؟! أو جائع؟! أو محروم؟! كل ما أستطيع أن أقوله هو أن السعادة تحوم حول الحب والرضا والتسليم والقناعة بل والزهد عن كل ما لا نستطيع نيله.. دون التخلي عن ديمومة الحلم بها.. فليبحث كل منا عن سعادته الخاصة.. وليحفر كل منا بيديه بحثا عنها.. والأهم من كل ذلك ألا نستسلم لليأس ونحاول أن نشطب مصطلح القنوط من قواميسنا..

فمهما كان طول عمرنا.. شئنا أم أبينا فإن هنالك اختباراً يتحتم علينا اجتيازه وعقبات لا بد أن نمر به.. فكما أن هنالك طريق مليء بالأشواك.. فهناك بالمقابل طريق مزيّن بالورود؛ فلنحسم أمرنا: أيهما سنختار؟! ولنتعلم جميعنا هذا الدرس البسيط.. أن البلاء إن نزل فإنه لا ينزل بالضرورة ليصلح أخلاقاً ولا ليفسدها. كل ما تفعله هو أنها تكشف معادن البشر.. إنها حكمة التمايز .. إن دقّ الوصف وصحّت التسمية.
هكذا .. 

tunisiatoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لِيَمِيز الخبيث لِيَمِيز الخبيث



GMT 19:27 2021 الأحد ,12 كانون الأول / ديسمبر

يوسف السباعي فارس قتلته السياسة وأحياه الحبــ

GMT 14:36 2021 الثلاثاء ,18 أيار / مايو

”أعطنى مسرحًا أُعطِكَ شعبًا مثقفًا”

GMT 11:32 2021 الخميس ,15 إبريل / نيسان

صندوق أسرار الزمن المعتّق

GMT 16:24 2019 الأحد ,19 أيار / مايو

أجيال

GMT 19:35 2018 الإثنين ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

هذا ما أراده سلطان

GMT 17:50 2018 الثلاثاء ,24 تموز / يوليو

في نسف الثّقافة..

GMT 14:29 2018 الإثنين ,23 تموز / يوليو

الحُرّيّة

GMT 04:41 2024 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الكشف عن فوائد مذهلة لحقنة تخفيف الوزن الشهيرة

GMT 14:28 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

تشعر بالعزلة وتحتاج الى من يرفع من معنوياتك

GMT 09:45 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

20 عبارة مثيرة ليصبح زوجكِ مجنونًا بكِ

GMT 16:52 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تتيح أمامك بداية السنة اجواء ايجابية

GMT 15:26 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

يوم مميز للنقاشات والاتصالات والأعمال

GMT 07:09 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أمور إيجابية خلال هذا الشهر

GMT 16:36 2019 الأربعاء ,01 أيار / مايو

النشاط والثقة يسيطران عليك خلال هذا الشهر

GMT 17:29 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحالفك الحظ في الايام الأولى من الشهر
 
Tunisiatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday Tunisiatoday
tunisiatoday tunisiatoday tunisiatoday
tunisiatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
tunisia, tunisia, tunisia