بغداد - العرب اليوم
حدّد علماء الآثار بداية الحضارة الآشورية بحدود 2000 سنة قبل الميلاد، وقد مثّلت "نمرود"، التي تبعد 30 كلم جنوب الموصل، قمة الإنجاز الآشوري المتمثل بثلاث مدن اتخذوها عواصم لهم، وهي: آشور ثم نينوى ونمرود، التي كانت آخر عاصمة في الحضارة الرافدينية القديمة.
وبالتالي شكل الاعتداء "الداعشي" على "نمرود" اعتداء على التاريخ الإنساني وعلى آثار تهمّ البشرية، وعدّته الأمم المتحدة بمثابة "جريمة حرب".
وفي هذا السياق، قال وكيل وزارة السياحة والآثار، قيس حسين : "إننا لا نملك معلومات كافية عن حجم التجريف الذي قامت به عناصر داعش الارهابية ولا مقدار مساحته، لأن نمرود مدينة كبيرة تمتدّ على مساحة بحدود 3 ونصف كم مربع، والارهابيون موجودون فيها يفعلون ما يشاؤون، يجرفون ويسرقون وينسفون على راحتهم".
وأضاف حسين في حديث لـ"العربية. نت": "الدعوة لعقد جلسة طارئة لمجلس الأمن لا نعول عليها كثيرا، والمطلوب إيجاد حلول عاجلة لتدارك الكارثة، لأن سكوت المجتمع العالمي على هذه الجريمة سيشجع الظلاميين على ارتكاب الأكثر، والأمر لم ينته بعد، فتحت سيطرتهم الحضر وخسروباد وكل عواصم الآشوريين العظيمة".
وأدان حسين ما أسماه "تواطئ" قوات التحالف الدولي، مؤكّدا أن "طائراتهه ترصد حتى البريد الداخل والخارج من نينوى، فهل يعقل أنها لا ترى الجرافات العالية التي تتجه إلى مدينة نمرود وتمعن تخريبا في آثارها العملاقة؟".
أغاثا كريستي في نمرود
احتكر الانكليز عمليات التنقيب في خرائب نينوى منذ عام 1845 ولغاية تسعينيات القرن الماضي. وكان مع البعثة عالم الآثار المعروف ماكس مالوان، زوج الروائية أغاثا كريستي، التي كتبت أجمل رواياتها في الموصل، وفي بيت يقع، كما تذكر، أسفل مرقد النبي يونس، المرقد الذي فجرته "داعش" قبل أشهر.
ينظر استاذ مادة التاريخ في جامعة بغداد، مزهر الخفاجي، لهجوم "داعش" على آثار الاشوريين في الموصل من زاوية أخرى، ويؤكّد أن وراء ذلك ما يسميه بـ"مافيا حضارية".
ويتابع الخفاجي، في حديثه لـ"العربية.نت": "آشور هي آخر امبراطورية عراقية دمّرت دولة اورشليم القديمة، والتوراة التي تروي الوقائع سُرقت من العراق ووصلت الى اورشليم الحديثة وعرضتها الفضائيات كلها تقريبا".
ويتساءل الباحث في التاريخ: "هل ستكتب توراة مصحّحة جديدة يساء فيها الى الآشوريين وللبابليين الكلديين أجداد نبوخذنصر والملك سنحاريب مذلّ الإسرائيليين القدماء، أم يكتب تاريخ جديد يراد له أن يكون الحقيقة المتوفرة للأجيال القادمة، ر
لاسيما وأن لا دليل على ادعاءات العراقيين التاريخية، فالمكان اختفى من الوجود والأرشيف فُقِد؟".
ويؤكد الخفاجي على أن "عداء داعش ليس مع الصنم الذي يدّعوه وإنما مع التاريخ"، لافتا إلى أن "الأخطر من كل التخريب الذي قامت به العناصر الارهابية، هو استيلاؤهم على مكتبة آشور بانيبال الشهيرة، والتي تضمّ 600 ألف رقيم طيني، هي علوم وآداب ومعارف ورياضيات وفلك سكان وادي الرافدين القدماء، والتي لا تخصهم وحدهم وإنما تخص الإنسانية كلها".
يشار إلى أن 4 كنوز ذهبية اكتشفت أواخر ثمانينيات القرن الماضي في مقابر نمرود، أهمها الكنز المسمّى باسمها "كنز نمرود" الذي اكتشف في عام 1988، وهو عبارة عن 613 قطعة من الأحجار الكريمة والمجوهرات المصنوعة من الذهب. ووصف العديد من علماء الآثار هذا الاكتشاف بأنه الأهم منذ اكتشاف قبر الملك الفرعوني توت عنخ آمون في العام 1923.
ويُعتقد أن تجريف المدينة التاريخية هو تغطية لسرقات كبيرة قام بها "الدواعش" في مدافن الآشوريين الملكية