حمد بن عيسى ال خليفة

يحظى القضاء في مملكة البحرين بأهمية خاصة بسبب رعاية حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى ال خليفة عاهل البلاد المفدى حفظه الله ورعاه ودعمه المتواصل له وتوجيهاته السامية بتذليل العقبات أمامه، وقد أعلن جلالته في كثير من التصريحات والمواقف حرصه الدائم على استقلالية السلطة القضائية باعتبارها أحد الأعمدة الأساسية التي تكفل مواصلة خطط التطوير والتحديث في المجالات كافة، وركنا رئيسيا لمشروعه السياسي في الإصلاح الديمقراطي والنهوض بالمملكة والارتقاء بها في مصاف الدول التي تُعنى باحترام وتطوير القضاء والعاملين به.

تاريخ عريق من التطور والنزاهة والعدالة والمساواة شهدته السلطة القضائية في البحرين، وهو ما كشف عنه إصدار حديث للأمانة العامة للمجلس الأعلى للقضاء بعنوان "إشراقات مضيئة على السلطة القضائية 2013 ـ 2014"، والذي تضمن العديد من الإشارات والمشاهد التي تعكس الاهتمام السامي بكل ما من شأنه تحديث السلطة القضائية، فكرا ومضمونا وممارسة.

ورأى الكتاب أن السلطة القضائية في الفكر السياسي للعاهل المفدى ليست مؤسسة جامدة، وإنما هي مؤسسة ديناميكية قابلة للتطوير باستمرار طبقا للاحتياجات والظروف التي يشهدها المجتمع البحريني، ولا أدل على ذلك من التطوير الكبير الذي شهدته مؤسسة القضاء الوطني منذ بداية المشروع الإصلاحي للعاهل المفدى وحتى تاريخه، حيث ساهمت السلطة القضائية في الدفاع عن قضايا المواطنين وصون حقوقهم وحماية المجتمع من الظواهر السلبية.

وقد أكد على ذلك المستشار سالم بن محمد الكواري رئيس المجلس الأعلى للقضاء رئيس محكمة التمييز الذي أشار في كلمة له في ثنايا الكتاب إلى أن جل الوثائق التاريخية المتصلة بمملكة البحرين أكدت أهمية القضاء في البحرين، وذلك لدوره في نشر بذور الاطمئنان في المجتمع وإعطاء كل صاحب حق حقه، معتبرا أن القضاء ليس منصبا يرتقي إليه القاضي فحسب، بل هو علم وثقافة وسلوك تمنح المتقاضي الكرامة والاطمئنان قبل أن يُحسم النزاع لصالحه أو لصالح خصمه.

ووجد الكتاب في تحليله أن السلطة القضائية في البحرين تتمتع بالاستقلالية والحيادية والنزاهة، ويتجلى ذلك في أكثر من مظهر، منها أن هذه السلطة تتمتع بالمساواة الكاملة أمام سلطات الدولة الأخرى، سيما التنفيذية والتشريعية، كما أن العاملين في سلك القضاء يمارسون واجبهم دون تأثير أو تدخل من أية جهة كانت مثلما نص على ذلك دستور المملكة في المادة 104 الفقرة ب، مشيرا إلى أن أهمية مبدأ استقلال القضاء تتعلق بأنه الضمانة الوحيدة لحماية حقوق الأفراد وحرياتهم، وذلك في مواجهة تجاوزات الخصوم سواء كانوا من الأفراد الطبيعيين أو الاعتباريين.

وفي بعض صفحات الكتاب، أُشير إلى أن الدستور والقوانين البحرينية عززت من مبدأ استقلالية القضاء الوطني بالعديد من الضمانات:

أولها: منها الرقابة على دستورية القوانين واللوائح من خلال المادة 16 من المرسوم بقانون رقم 27 لسنة 2002 بإنشاء المحكمة الدستورية.

ثانيها: الاستقلال الإداري للسلطة القضائية التي لها وحدها بعيدا عن بقية السلطات الأخرى، سيما التنفيذية، الحق في تعيين وعزل ونقل وترقية ومساءلة القضاة تأديبيا أو جنائيا أو مدنيا، وذلك مثلما نصت المادة 104 المشار إليها سلفا من الدستور والمرسوم بقانون رقم 42 لسنة 2002.

ثالثها: الاستقلال المالي للسلطة القضائية كما تنص المادة 73 مكرر على أن يكون للمجلس الأعلى للقضاء ميزانية سنوية مستقلة، وذلك لتجنب أية ضغوط أو تأثيرات على عمل السلطة القضائية.

ورأى الكتاب أن السلطة القضائية في البحرين كان لها دورها الهام في إدارة العمليات الانتخابية التي شهدتها البلاد، معتبرا أن أحد أهم ضمانات سلامة العملية الانتخابية هو وضعها تحت إشراف القضاء، وهو ما يعني بالتبعية سلامة تكوين الهيئة التشريعية الممثلة لإرادة الشعب عن طريق تمثيلها الصحيح والمعبرة عن إرادتهم السليمة، وضمان حماية حقوق المواطنين في ممارسة حقوقهم في الانتخاب أو الترشح.

وحول التنظيم القضائي في مملكة البحرين، أكد الكتاب أن المحكمة الدستورية هي الجهة العليا المعنية بالرقابة على دستورية القوانين واللوائح، مثلما أشارت إلى ذلك المادة 106 من الدستور الحالي، والتي صيغت مكوناتها وطبيعة عملها تفصيلا في المرسوم بقانون رقم 27 لسنة 2002، ثم يأتي بعد ذلك المجلس الأعلى للقضاء باعتباره جزء من النظام القضائي الوطني، ويتولى طبقا للمادة 70 من المرسوم بقانون رقم 42 لسنة 2002 الإشراف على حسن سير العمل في المحاكم واقتراح تعيين وترقية القضاة وغير ذلك.

ويضاف إلى الجسم القضائي البحريني، مثلما أبرز الكتاب، النيابة العامة التابعة للمجلس الأعلى للقضاء وتتولى تحريك الدعوى الجنائية ومباشرتها، هذا بجانب إدارة التفتيش القضائي التي تُعنى بالتفتيش الدوري على أعمال السلطة القضائية والشكاوى والتحقيق وكذلك التدريب القضائي، علاوة على المحاكم بأنواعها، ويقع على رأسها محكمة التمييز التي تختص بالنظر في الطعون، ثم المحاكم المدنية والجنائية والشرعية بأقسامها ودرجاتها، ناهيك عن غرفة تسوية المنازعات الاقتصادية والمالية والاستثمارية، والأمانة العامة للمجلس الأعلى للقضاء، وهيئة فحص إقرارات الذمة المالية، والقضاء العسكري الذي يتولى تنظيم أعماله المرسوم بقانون رقم 34 لسنة 2002.

ورصد الكتاب منجزات المجلس الأعلى للقضاء خلال الفترة من 26 أيلول 2013 وحتى 14 حزيران 2014، وذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: تشكيل دائرة رابعة بمحكمة التمييز، وتجزئة المحاكم الكبرى الثالثة والرابعة إلى دوائر منفردة لسرعة البت في الدعاوى المنظورة، وانعقاد جلسات المحاكم الصغرى الجنائية لفترات مسائية، وبدء العمل لإنشاء محكمة للأحداث، وإنشاء محكمة للمرور، وغير ذلك من منجزات أوردها الكتاب بشيء من التفصيل.

ومن بين مشروعات التطوير التي يخطط لها المجلس الأعلى للقضاء في الفترة المقبلة: مشروع قضاة المستقبل الذي يعد واحدا من أهم المشاريع الهادفة إلى تطوير المنظومة القضائية بالبحرين بشكل عام، وبما يسهم في تطبيق أعلى المعايير الدولية بحيث لا يصل إلى منصة القضاء سوى الأجدر لهذا المنصب، ويقوم المشروع على استقطاب الكفاءات القانونية من أجل إعدادها لتولي الوظائف القضائية وفق أسس ومعايير شفافة وموضوعية.

هذا بالإضافة إلى عدة مشاريع أخرى محورية ينتظر الإعلان عنها خلال الفترة القادمة، مثلما أبرز الكتاب، من بينها: تدشين الخطة الإستراتيجية للمجلس الأعلى للقضاء، وإنشاء مركز المعلومات القضائي لمواكبة العصر الحديث في استخدام التكنولوجيا الحديثة في تيسير العمل القضائي وتوفير البنية المعلوماتية لأعضاء السلطة القضائية والمستفيدين من خدماته، علاوة على مشروع لإنشاء محاكم في المحافظات، وذلك من أجل تخفيف الضغط وسرعة الفصل في الدعاوى، وإنشاء مكتب المنع من السفر في مطار البحرين الدولي والمنافذ لتسهيل شؤون المتقاضين وسرعة حسم ملفات تنفيذ الأحكام القضائية وتعزيز الثقة والاطمئنان بالسلطة القضائية وترسيخ مبدأ التعاون بين السلطات.

المصدر: بنا